هاوية جديدة

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان 

الآن، وقد حدث ما نشاهد تداعياته بين إسرائيل وإيران، يمكن القول باطمئنان إن المنطقة انزلقت مجدداً إلى هاوية توسّع مساحات القلق والتوتر اللذين نعيشهما على الأقل منذ بداية الحرب في غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وإن كان العالم كله منشغلاً بآثار الضربات التي بادرت إسرائيل بتوجيهها إلى إيران، ومحاولة احتوائها، فإن المنطقة هي الخاسر الأكبر على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية. لم تكن المنطقة بحاجة إلى هذا التصعيد الذي لا فائز فيه، ولا يمكن أن يحقق مراد من يسعى إلى تفخيخها وإعادة رسم الخرائط وضبط موازين القوى بإشعال مزيد من اللهب.
لم تمض أيام على تجدد صوت الحكمة الإماراتية الداعي إلى حتمية الارتكان إلى العمل الدبلوماسي وحده في حل الأزمات التي تعصف بالمنطقة، حتى انفلت القرار الإسرائيلي مرة أخرى واختار العدوان سبيلاً للحوار.
كان الصوت الإماراتي الممثل هذه المرة في د. أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، يرى نذر التصعيد الذي تحول إلى واقع مؤرق، رغم أمل أطراف كثيرة في أن تتجنب المنطقة ذلك بتواصل المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول البرنامج النووي لطهران، سعياً لاتفاق يكون أحد أسس الاستقرار المبتغى بانعكاساته المأمولة على بقية الملفات الموزعة على أكثر من ساحة.
كنا على موعد جديد اليوم مع جولة أخرى للتفاوض نسفها، ومعها كل الجهود السابقة في هذا الإطار، إشعال إسرائيل حرباً جديدة لا يعلم أحد بما تنطفئ، ولا متى. ولم يعد من المقبول، وفق مصادر إيرانية، الجلوس إلى مائدة مفاوضات، بينما الهوة بين المتفاوضين تتعمق وتزداد المواقف تنافراً، فطهران لا شك ترى أن محاولات دفعها إلى اتفاق بالتهديد تارة، وبالترغيب تارة أخرى، تحولت إلى عمل عدائي لن يحملها على تفاهمات، على الأقل في هذه الفترة الملتهبة.
وبهذه الخطوة الإسرائيلية، ندرك خطورة ما كانت الإمارات تخشاه، وقيمة دعوتها إلى ضرورة التمسك بالعمل الدبلوماسي، وهي دعوة وجدت صداها في أكثر من مكان، وكان في الاستماع إليها عاصم من ما نعيشه الآن، وأمل في إحياء مفهوم تصفير مشكلات المنطقة الذي بزغ لفترة بدت فيها معظم الأطراف حريصة على إعادة ترتيب العلاقات والقفز فوق الخلافات؛ تجنباً لمثل ما نرى حالياً وغيره.
مما يؤسف له أن ننتقل خلال أيام من مرحلة الدعوة إلى تجنب الانزلاق إلى نار جديدة، إلى تسخير الجهود لتطويق حدودها ولجم حركتها من بقعة إلى أخرى.
قدر هذه المنطقة الدائم أن تكتوي بجنون بعض أطرافها، لكن الدول العربية تحديداً مطالبة بأن ترفع صوتها دفاعاً عن مصالحها الفردية والجماعية، فلا تبقى في أيدي عابثين، وأن تضع القوى الكبرى، خاصة من يدعم العبث أو يشجع عليه أو يغض الطرف عنه، أمام مسؤوليتها، قبل أن تتسع الهاوية وتنال أكثر من استقرار العالم كاملاً.
[email protected]

عن الكاتب

صحفي وروائي يعمل في صحيفة "الخليج" الإماراتية منذ عام 2004، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام من جامعة القاهرة.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"