إدارة أزمات العالم

00:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

كنت قد شرعت في الكتابة عن الملف النووي الإيراني وإمكانية أن يجر فشل المباحثات بشأنه إلى أزمات كثيرة، سياسية واقتصادية، خاصة مع التفكير في فرض عقوبات من قبل مجلس الأمن أو إصدار قرار من الأمم المتحدة، لا سيما أن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتمد الخميس الماضي قراراً يدين «عدم امتثال» إيران لالتزاماتها النووية، في تحذير جديد قبل إحالة الملف إلى الأمم المتحدة. وشعرت في لحظة من اللحظات أن الإحالة تشبه إحالة أوراق المحكوم عليه بالإعدام إلى المفتي، وما يمكن أن يجره هذا الحدث (الإعدام الشخصي، أو الحرب الجماعية) على منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج العربي بشكل أدق.
ولم أكن قد أكملت المقال فإذا بي أفاجأ باندلاع الحرب بقيام إسرائيل بشن هجمات متتالية على المفاعلات النووية الإيرانية، ومع الانتظار والمتابعة علمت أن إيران أطلقت دفعات صاروخية باتجاه إسرائيل. ومهما يكن من أمر فإن اندلاع المواجهات المسلحة بين إيران وإسرائيل تتحمل وزره الوكالة الدولية للطاقة، ومنظمة الأمم المتحدة ومعهما مجلس الأمن، لأنها بالغت كثيراً في التسويف والتطويل والتمديد، من دون أن نعلم هل الوكالة الدولية حيادية أم لا، ونحن نعتمد على تناقض تقاريرها منذ ثلاثة عقود.
كنت سأكتب عن الملف النووي الإيراني (رغم أنني كتبت..) لولا إدراكي التام أن سياسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تتماهى مع سياسة الولايات المتحدة، وأن الوكالة هي الذراع الدبلوماسية لأمريكا في الأمم المتحدة، هذه المنظمة الأممية التي بلغ عمرها ثمانين عاماً، والتي أثبتت فشلها عبر ثمانية عقود في تنفيذ سياستها لا سيّما مجلس الأمن، كجهة رئيسية مسؤولة عن صون السلم والأمن الدوليين.. وكما هو مذكور في الموقع الرسمي للأمم المتحدة، «يأخذ مجلس الأمن زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلام أو عمل عدواني. ويدعو أطراف النزاع إلى تسويته بالوسائل السلمية ويوصي بطرق التكيف أو شروط التسوية. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض جزاءات أو حتى السماح باستخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما..»، وفي البحث وجدنا 14 عقوبة يمكن للمجلس فرضها، بما فيها خطوات استخدام القوة.
وبالعودة إلى الملف النووي الإيراني، والتقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة، والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وكذلك مجلس الأمن، سنكتشف أن ثمة ميوعة مقصودة، وإطالة متعمّدة، يتخللها أكثر فترات تهدئة وفترات تسخين، استناداً إلى المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، ووفقاً لهذه الميوعة امتلأ العالم بملايين النازحين قسراً عن أوطانهم.
وبالعودة إلى الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، نقرأ ما يلي: «ووفقاً لتقرير الاتجاهات العالمية السنوي الصادر عن مفوضية شؤون اللاجئين في 12 يونيو/حزيران 2025، فقد بلغ عدد النازحين قسراً 122 مليون شخص بحلول نهاية إبريل 2025..»، ما يعني أن منظمة الأمم المتحدة وذراعها الرئيسية مجلس الأمن الدولي (الذي يرعب الدول..)، كوّنا فشلاً تراكمياً على مدى ثمانين عاماً، إذ اكتفى بأن يقوم بدور أرشيف للقرارات التي لا تُنفّذ، والقضية الفلسطينية أبرز برهان على فشله الذريع، ويبدو أنه سيتحوّل إلى دولة في العالم الثالث سلاحها الشجب وإصدار البيانات، ولنقرأ دليلاً على ذلك، في خبر على الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة: «لجنة تحقيق دولية: الهجمات الإسرائيلية على المواقع التعليمية والدينية والثقافية في الأرض الفلسطينية المحتلة ترقى إلى مستوى جرائم حرب..».
بل وينقل الموقع عن رجل فلسطيني في غزّة قوله: «أصبحنا نحسد الأموات». ولن أصف واقع المنظمة الأممية، ولهذا السبب، كما يبدو، كما ينقل الموقع نفسه، هناك مساع لتطوير المنظمة، حيث يقوم السفير طارق البناي، الممثل الدائم لدولة الكويت، ورئيس «المفاوضات الحكومية الدولية بشأن مسألة التمثيل العادل، وزيادة عضوية مجلس الأمن»، ببذل جهود لإعادة تشكيل أحد أهم أجهزة النظام الدولي، وأعرب السفير الكويتي، الذي أسند له رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نحو ثلاث سنوات مهمة التعديل والتطوير، عن أمله في تحقيق تقدم.
غير أن تطوير الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظماتها الدولية في مختلف المجالات، يجب ألا يقتصر على زيادة التمثيل، وتوسيع اللجان، بل على تفعيل الجمعية العامة وتمكينها من تطبيق قراراتها، وفرض السلام في مناطق النزاع، وبعضها يعود إلى أمد طويل، وإذا بقيت على حالها، مرتهنة للدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، وإصدار القرارات، فإنها ستتحول إلى مؤسسة تشبه مؤسسات العالم الثالث البيروقراطية، وإلى مؤسسة توفر فرص عمل للياقات البيض، وبهذا يتحول دورها إلى ما يشبه دور إدارات التشريفات في الوزارات الرسمية.
لا بد أن تقف موقفاً قوياً لمنع النزوح القسري الذي يملأ العالم، فعدم تدخلها في الموضوع السوداني وقبله الموضوع السوري جعل النازحين من البلدين يشكلون ثلث النازحين في العالم، ناهيك عن النازحين الفلسطينيين.
إن إحدى مهام الأمم المتحدة ليس فقط في حل الأزمات، ولكن في عدم حدوث أزمات، أي إدارة أزمات العالم، وها هي أمام انفجار أزمة خطرة جداً..

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"