الحرب في المنطقة، أياً كانت ساحتها، ليست في مصلحة أحد، خاصة دولنا العربية، وبالضرورة ليست مفيدة في نظر عقلاء السياسة في العالم، بالنظر إلى محورية هذه المساحة الجغرافية، ودور ثرواتها، وطبيعتها في العلاقات الدولية. وهذه المحورية والثروات والطبيعة الاستراتيجية هي التي جعلت المنطقة، منذ أمد طويل، ميداناً للمواجهات بين القوى الكبرى، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء يستمدون قوتهم من قوة الراعي والداعم الدولي، ولو كان ذلك عبر ستار غير معلن، لكنه معلوم للأطراف كافة.
نحن الآن أمام جولة جديدة من هذه المواجهات، بتجدّد الحرب بين إيران وإسرائيل، وهما وجهان إقليميان لإرادات من خارج المنطقة، مستمرة في محاولات إعادة رسمها، وتغيير موازيين القوى فيها، لا بإعلاء طرف على كل محيطه، حسب القاعدة الاستراتيجية التي استقرت طويلاً، وإنما بالسعي إلى جعله، وهذا الأخطر، المتفرد بالقوة والسيطرة على مفاصل هذا الإقليم الذي يصطلي دوماً بنار هواة إعادة تشكيل الخرائط، بما يحقق مصلحتهم وحدهم.
بكل تأكيد، يعنينا كعرب، نهاية الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، لكن يجب أن نتحسب، بحرص وحذر، إلى ما بعدها. ولا يعني ذلك انتظار شكل النهاية، إنما المبادرة إلى الإسهام الفاعل في رسم ما يليها، وسيناريوهات توزيع مواطن القوة في المنطقة، بحيث لا تبقى بين مشروعين للهيمنة، وبين قوسين إقليميين نكون، حين يلتهبان، أول من تمسه النار.
بمعايير المساحات الجغرافية، والثروات الطبيعة والبشرية، والقيادات المنفتحة على التفاهم مع كل الأطراف في المنطقة والعالم بما يحفظ مصالحنا، علينا، كعرب، تشكيل رؤية عربية موحدة تجاه مستقبل المنطقة، وطبيعة علاقات القوى الدولية والإقليمية المتصارعة هنا.
هذه الرؤية يجب أن تكون نواة مشروع عربي، يأخذ موقعه المناسب في جوار مشروعين متصارعين، أحدهما إسرائيلي، والآخر إيراني، بل قد يقيم التوازن بينهما، بما يحمي مصالح المنطقة وشعوبها ومستقبلها، ولا يجعل أحدهما أو كليهما متغولاً على محيطه، متعامياً عن مصالح سواه.
تحرص الدول العربية على علاقات طيبة ومتوازنة مع دول الإقليم والعالم، وتجنح إلى السلم في العلاقات وتمتين قواعد التعايش والجوار، بأعراف مستقرة أو اتفاقيات تفرضها المستجدات. ولا يمنع ذلك الدول العربية من مواجهة المخطئ بخطئه، وإدانة المبادر إلى المسّ بقواعد التعايش، فما من طرف رأى في العدوان الإسرائيلي على إيران إلا تهديداً لدولة جارة والمنطقة والعالم. وقبل ذلك، كان الجميع يحذر إيران من مغبة التدخل في شؤون دول عربية، والعبث بقرارها بصورة مباشرة، أو عبر أذرع لها من البشر والكيانات، أو جعلها ميادين لإدارة صراعاتها، أو التمدد في المنطقة.
وبينما يشتبك الطرفان الإسرائيلي والإيراني، تنهمك الدول العربية الفاعلة في اتصالات على كل المستويات، محذّرة من إطالة عمر الحرب، إنما الأهم أن تكون المواجهة العبثية هي الأخيرة إجمالاً، أو بالأحرى الأخيرة التي لا تتحسب لمشروع عربي منتظر، ينهي هذه الثنائية، وتراعيه كل الأطراف حين تتهور.
مقالات أخرى للكاتب



