د. عبد الله أحمد آل علي*
في منتصف يونيو(حزيران) 2025، نفَّذت إسرائيل عملية عسكرية واسعة أُطلق عليها «عملية الأسد الصاعد»، استهدفت منشآت إيران النووية والعسكرية، شملت نطنز وفوردو وأصفهان، إلى جانب قواعد صاروخية وبنى تحتية حيوية ووفقاً لتقارير صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، أسفرت العملية عن تدمير ما يزيد عن 1,700 جهاز طرد مركزي في نطنز وتعطيل أكثر من 800 قدرة إطلاق صاروخي، في حين بقيت منشآت فوردو المحصّنة تحت الأرض قادرة على العمل جزئياً.
رغم نجاح الضربة من الناحية التكتيكية، جاءت الردود الإيرانية سريعة ومكثفة، إذ تم إطلاق أكثر من 150 صاروخاً و100 طائرة مسيّرة باتجاه مدن إسرائيلية مثل تل أبيب وحيفا والقدس، ما تسبب في خسائر بشرية ومادية وقد حافظت القبة الحديدية على نسبة اعتراض عالية، بدعم مباشر من الولايات المتحدة التي عزّزت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية بقدرات بحرية وبرية متقدمة، ضمن إطار ردع تصعيدي محسوب.
داخلياً، أظهرت استطلاعات مشتركة بين «معهد الديمقراطية الإسرائيلي» و«مركز جتمان» أن 63% من الإسرائيليين يخشون انزلاقاً إلى مواجهة إقليمية شاملة، فيما عبّر 45% عن تأييدهم للعمليات العسكرية حتى في غياب دعم أمريكي مباشر. في المقابل، أبدى 41% من المواطنين العرب داخل إسرائيل معارضتهم للضربة، بالتزامن مع ارتفاع بنسبة 28% في الإحالات النفسية، خصوصاً بين الأطفال وسكان الشمال، بسبب التوترات الأمنية المستمرة.
وفيما رصد «مركز بيغن‑سادات» وINSS إشادة بالتكامل بين الموساد والجيش في تنفيذ الضربة، نبّهت التقارير ذاتها إلى غياب خطة سياسية موازية، ما أدى إلى تفاقم الهشاشة المجتمعية والنفسية داخل إسرائيل، كما أن قدرة إيران على الرد غير المباشر من خلال وكلائها في لبنان وسوريا والعراق تظل قائمة نسبياً، مما يعزز احتمالات حرب استنزاف طويلة الأمد.
اقتصادياً، كلَّفت الحملة العسكرية نحو 1.5 مليار دولار أمريكي، في وقت تجاوز فيه الإنفاق الدفاعي 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مترافقاً مع تباطؤ النمو وارتفاع التضخم، أما على الصعيد العالمي، فقد أدّت العملية إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 6% مباشرة، ثم إلى 10%، ما فرض ضغوطاً متزايدة على الاقتصاد الإسرائيلي والمنطقة بأسرها.
وفي هذا الإطار، برز الدور الأمريكي كعامل تهدئة محوري، إذ دعَّمت واشنطن العمليات الدفاعية لتل أبيب من جهة، لكنها حرصت من جهة أخرى على منع انزلاق الصراع. وأشارت تقارير لمراكز مثل CSIS وRAND إلى تحركات دبلوماسية أمريكية نشطة عبر قنوات غير مباشرة مع طهران في مسقط، بهدف خفض التوتر وإعادة توجيه المواجهة نحو تسوية سياسية مدروسة تحفظ توازن القوى وتقلل من الأكلاف الاستراتيجية.
وهنا تتكشف المعضلة الاستراتيجية بوضوح: التفوق العسكري لم يعد كافياً وحده لضمان الأمن الإسرائيلي، فغياب مشروع سياسي طويل الأمد يهدد بتحويل النجاح العسكري إلى فرصة ضائعة. المطلوب اليوم هو هندسة سياسية جديدة ترتكز على الانفتاح نحو الجوار العربي وتعزيز فرص التعاون الاقتصادي والأمني، كما أوصت دراسات «مركز بيغن‑سادات»، الذي شدد على أن الأمن الجماعي يتطلب شراكات لا ضربات منفردة.
في الختام، تبقى إسرائيل، بجغرافيتها الدقيقة وهشاشتها البنيوية، في أمسّ الحاجة إلى بناء استراتيجية توازن بين الردع والسلام، فالقوة وإن حققت تفوقاً آنياً، لا تكفي وحدها لصناعة مستقبل آمن، أما السلام حين يستند إلى توازن واقعي وقوة مدروسة، فيبقى الخيار الأذكى لضمان أمن الدولة واستقرارها في هذا المحيط العربي.
* باحث في الشؤون الأمنية