عتبة ثقافية

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

عثمان حسن

حين يكون المثقف قادراً على الخيال، يكون هنا، قد تجاوز مرحلة أساسية نحو عتبة التفكير الحر، التفكير من خارج الحقل الثقافي البحت، أو من خارج التخصص الأدبي أو الأكاديمي، فكل الروايات أو القصص الناجحة، وحتى الأشعار والفنون قاطبة تحتاج إلى جرعة من الخيال، ولنقل درجة من درجات التجاوز في المفكر فيه، أو النمطي، نحو عتبة من الخيال الذي يستلهم ما هو جديد أو مبتكر، من هنا، فقد كان من أفضل تعريفات الثقافة، هو ما نحا بها بعيداً عن التخصص الأكاديمي، كما هو عند عبد الوهاب المسيري الذي أكد على ضرورة أن يكون المثقف حاضر البديهة بما يمتلكه من خيال يرتقي به عن حقول التخصص، خيال يساعده على طرح الأفكار من دون ملل أو رأي، أو وجهة نظر فكرية أو فلسفية.
وذات السياق يمكن قراءته عن إدوارد سعيد الذي يرى أن المثقف ليس مجرد أكاديمي أو خبير متخصص، بل هو شخص يتميز بالاستقلالية والجرأة، والمسؤولية النقدية، وأن يكون صوتاً للمهمشين، ويسعى لكشف الحقائق وتحدي الأنماط النمطية السائدة.
يسوقنا هذا الحديث، إلى تجارب في الأعمال الأدبية المميزة التي لا يمل القارئ من الرجوع لها، والاستمتاع بجرعة الخيال بين دفتيها، كما يسوقنا إلى أجمل الأشعار التي لا تزال حاضرة في وجدان المثقفين والمتخصصين والجمهور على حد سواء.
ليس مثقفاً من يجلس في عزلة برجه العاجي، كما يوضح المسيري، بل هو من يفهم السياقات الثقافية والفكرية المتاحة بوصفها مجالات لتعزيز مفاهيم المعرفة التي تقود إلى حل المشكلات والتأسيس لبناء خبرات ذات مفاعيل حيوية في فهم الآخر برؤية ذات بعد إنساني شفيف.
وفي العصر الذي نعيشه اليوم، باتت الكثير من المؤسسات الثقافية والرسمية العربية تدرك ما للثقافة من أهمية في دفع عجلة الإنتاج المعرفي، لتصبح في متناول الجميع، فالثقافة تبحث في الحقيقة الإنسانية، التي تسعى نحو ترسيخ مفاهيم الجمال والأخلاق، وتبحث في فهم طبيعة الإنسان ووجوده، وهي إلى جانب العلوم المختلفة التي يجب أن يتحصن بها المثقف ولا يهملها كفيلة بالكشف عن حقائق العالم المادية والوجودية والحسية، وهذه مهمة تساعد في كشف «ميكانيزمات» الواقع ومحركاته، ذلك أن الثقافة تستطيع التعامل مع كافة التأثيرات العصرية المستجدة، وهي أي (الثقافة) عتبة تغوص في واقع اجتماعي وسياسي معقد، وليس غير المثقف من يستطيع التعامل معه، بما يمتلكه من قدرة على إثارة الجدل وطرح الأسئلة.
مختصر القول، فإن الثقافة تعتبر ركيزة أساسية لبناء مشاريع ثقافية عربية كبيرة وناجزة على غرار ما يحدث في دول العالم المتقدم.

[email protected]

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، وصدر له في الإمارات كتاب "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" . له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين. وعضو الاتحاد الدولي للصحفيين.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"