هل سيكون ما حدث، هو آخر ما سيحدث؟ كم مرّةً قفز إلى مسرح ذهنك هذا السؤال، منذ انطلاقة الدفع بالعجلات الأربع، في تداعيات أحجار الدومينو؟ لا شك في أنك لا تجد سبيلاً إلى جواب مقنع، أو حتى يسدّ رمق الجوع إلى معرفة الملابسات. السبب هو أن العالم العربي لا يملك لا نظريةً لضرورة العمل المشترك والتكتل والاتحاد، ولا نظريةً استدلاليّةً تبرّر التشتت وعدم الحاجة إلى إيجاد منظومة عربية متكاملة.
كم تبدو المهمّة دعابةً فاقعةً، أن يعكف مؤرخ أو باحث على دراسة ثمانين سنةً من القرارات والتوصيات، التي دبّجتها أمّ المنظمات العربية، منذ ازدان بمولدها فراش الخريطة. يقيناً، أنت أكرم من أن تتوقّف عند رداءة الإنشاء. لم يقل أحد بعد عقد، عقدين، أربعة، سبعة: ما هذا الاستنساخ يا سليلي خمسة عشر قرناً من ميراث بدائع البيان، وروائع البلاغة؟ حسناً، تنازلنا عن جمال الشكل، فهل تلك المضامين المكرورة، هي كل ما يمكن أن يهدى إلى العرب؟ يوم ولدت الجامعة، كان عدد نفوس العالم العربي يقدّر بنحو ستين مليون نسمة. اليوم جاوزوا الأربعمئة مليون، ولا تزال التنميات المتعثرة، لمن رام الهروب إلى الرومانسية، تعيد الخاطر إلى الشاعرة ميسون بنت بحدل الكلبيّة: «لبيتٌ تخفق الأرواح فيه.. أَحبُّ إليَّ من قصر منيفِ... وأصوات الرياح بكل فجٍّ.. أحبّ إليّ من نقرِ الدفوفِ... وأكل كُسيْرة من كِسر بيتي.. أحبّ إليّ من أكل الرغيفِ». لكن، ليت الأساس الذي قامت عليه المنظمة، نُقش عليه بيت ميسون الأخير: «فما أبغي سوى وطني بديلاً.. فحسبي ذاك من وطنٍ شريفِ». لك أن تختار بيت شوقي: «وطني لو شُغلت بالخلد عنهُ.. نازعتني إليه في الخلد نفسي».
تعريجاً على المناهج، ما أحلى الرجوع إليها. لقد أبلت أنظمة التعليم العربية، أحسن البلاء في تدريس مادّة التربية الوطنية، طوال قرن في الأقل، إلاّ أن أغلبها نسي بحسن نيّة، وضع التربية الوطنية في إطار أمّة عربية هي الوطن الكبير. أغلب الظن أن خبراء التربية رسخ في أذهانهم أن هذا النهج سيجعل كيل التربية الوطنية يطفح، فإدخال مجموع البلدان العربية في مقرّر مادّة واحدة، سيفضي إلى المتاهة التي حالت دون العمل المشترك، حتى في أضعف الإيمان، كإقامة سوق عربيّة مشتركة. هكذا يتعذر تسويق الأفكار المشتركة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: ما لا تزرعه المناهج، تجني حصاد أشواكه الشعوب.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







