هل من أمل في أن يستعيد القانون الدولي ولو مثقال ذرّة من معناه، إذا كانت هيبته قد راحت هباءً؟ ماذا لو انفلتت المقاليد والضوابط في كل القارّات، وباتت السلوكيّات الفرديّة، من دون أيّ مرجعيّة أمميّة، هي القانون السائد الخارج على القانون؟ ماذا لو صار كل فرد، بدلاً من أن يركب سيّارته أو درّاجته أو حماره، يركب رأسه؟ إلى أين يهرب الساعون إلى التنمية والرخاء والإخاء والسلام؟ كم تستطيع كلّ جنّة أن تظل محفوفةً بالمكاره؟
لو كان للعالم العربي عقل مشترك، وفكر متوافق، لأدرك مغبّة إضاعة مُلك الزمن. الزمن حقاً في بلاد العُرْب أوطاني، مُلك مُضاع. تداركُ تداعيات تردّي الأوضاع اليوم، أعسر مئة مرّة، ممّا كانت عليه الأمور قبل قرن أو حتى خمسين عاماً. جردة الحساب بسيطة: في القرن العشرين فصاعداً، لم تلتحم أنظمة التربية والتعليم في المشرق والمغرب العربيّين، لم يلتئم شمل المفكرين والمثقفين والأدباء والفنانين، إلاّ في المناسبات المهرجانية. إذا استثنينا ألوان التنظير الحزبي، لم نجد مشرباً فكريّاً وحدوياً أو تكامليّاً تنمويّاً، نهضويّاً، نهلت منه شعوب العرب أو أغلبيتها. في المقابل، شهد الكثير من البلاد العربية، أصنافاً من التنافر. هندسياً، عدم التقارب يعني تمدّد المسافات.
لا يمكن أن يفوت الفطنَ اللبيبَ ما هو أدهى وأنكى، فالشعوب العربية الشقيقة التي منيت بلدانها بتقلبات مأساوية، أدّت إلى انفراط النظام الاجتماعي، وتخلخل موازين الاستقرار، إضافةً إلى الانهيار الاقتصادي، إنما نتيجتها الحتميّة جيل وربما أجيال غير متوازنة نفسياً، غير منضبطة سلوكياً وذهنيّاً. هل يشك ذو رأي حصيف في أن الحصيلة الكليّة هي عالم عربي تتعذر فيه الفرص التنموية المتكافئة. فبأي معجزة يستطيع العقل أن يلعب دور المايسترو الذي يوجد التجاوب والتناغم بين أعضاء هذه الفرقة غير المتآلفة، للأسف؟
لكن، لا مفرّ من أن العالم العربي هو عالمنا العربي، فأين تهربون؟ الماكرون يرون أن التفكير الآن في الحلول والمخارج أمر غير ذي بال، يشبّهونه بالصلاة يوم القيامة، يقولون: «الصيفَ ضيّعتِ اللبن». لكن، لا حرج، فثمّة مكسب ثمين، هو أهمية أن يشعر الفرد بوحدة المسؤولية بين القاعدة والقمّة. ذلك يعيده إلى رائعة: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته». لهذا يكثر الجدل حول المنظمة العربية، في سبيل أن تغدو جامعةً حقّاً تَجمع الجميع ويُجمع العرب عليها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستباقية: أضعف الإيمان في الاستباق هو عدم التأجيل. فإذا آثر الناس «سوف» خيّبت ظنّهم «لن».
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







