عادي
في شاعرية البصر

«الخط العربي»... الكلمة مداد الرحمة

14:45 مساء
قراءة 3 دقائق

الخط العربي فن أصيل تجاوز وظيفته الطبيعية كوسيلة للكتابة، ليغدو مرآة للروح، وتجلياً راقياً للقيم الإنسانية والروحية، حجز مكانة مركزية في الحضارة الإسلامية، شكل فيها هذا الفن البصري من خلال حروفه وتكويناته ربطاً بين الفكر والجمال، يعبر عن روح النصوص، ويجسد الإيمان والرحمة والمحبة، في مشهد فني يعكس الذائقة الإسلامية الرفيعة.


تكمن ميزة فن الخط العربي، في مقدرته على الربط الجمالي والروحاني بين النص والمعنى، بين العبارة والأثر، وخصوصاً حين يتم اختيار نص ديني مشحون بالعاطفة والوصية، كم في اللوحة التي بين أيدينا للخطاط مختار شقدار، وكتب فيها الآية الكريمة «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا»، من سورة الإسراء (الآية 24)، والتي جاءت لتأكيد أهمية بر الوالدين في الإسلام.

تركيب بصري

نُفذت اللوحة بخط الثلث الجلي، وهو من الخطوط العربية التي تتميز بالفخامة والتعقيد، ويتطلب تنفيذه صبراً ودقة، ويعد ميداناً لا يدخله إلا الخطاط الماهر، فحروفه بارزة، ذات تراكيب معقدة لكنها منضبطة، وتميل إلى الامتلاء البصري الذي يفرض حضوراً مهيباً، يشبه في هندسته بناء القبب أو المحاريب، ويمتاز بقابليته العالية للتركيب والتداخل الحروفي، فيتكامل الشكل والمضمون داخل حيز اللوحة.


التركيب البصري للوحة ينطلق من الرسم الحروفي العمودي، حيث الكلمات الرئيسية «رب ارحمهما» تتصدر المركز، كتبت بأسلوب موزون من الأعلى إلى الأسفل، «رب» تحتل القمة كمقدمة يفتح منها سائر الدعاء، وتؤسس لاتجاه بصري عمودي يمنح المتلقي انطباعاً بالخشوع والتضرع.

في أعلى اللوحة، تطوق كلمات الآية «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة» بنصف دائرة، تؤدي دور القوس البصري، يحيط بالمحتوى، ويمنح المشهد إحساساً بالحماية والتقديس، وهذا الخط المنحني يعاكس التكوين العمودي، ما خلق توازناً مدهشاً يجعل العين تتحرك بحرية بين الكلمات.


وفي أسفل اللوحة نجد كلمات الآية: «كما ربياني صغيراً»، مكتوبة بخط متداخل ومزين بزخارف تشكيلية، في تجل حروفي وبصري يختزل الطفولة والرعاية الأبوية، ونلاحظ كيف جاءت الانحناءات في الحروف السفلى توحي باللين والاحتضان، كما لو أن التصميم كله يعيد سرد مشهد تربوي بصري يستعاد من ذاكرة الوجدان.

جماليات

يبرز الفنان في لوحته جماليات التركيب في فن الخط العربي، حيث تتداخل الحرف ويتعانق في بنية محكمة تنبض بالتوازن، معتمداً على مبدأ التدرج البصري في بناء الكتل الحروفية من حيث السماكة، يمنح فيها العين تجربة جمالية متجددة في كل نظرة، تعمق من أثر الكلمات التي جعلت من الآية دعاء يرى بالعين، حاملاً روحانية المضمون وبلاغة الصورة.


وتعززت جماليات اللوحة في استخدام اللون البني مع تدرجات الخلفية الترابية الداكنة، والتي أضفت على اللوحة طابعاً دافئاً، يشعرنا بأن كل شيء متزن، هادئ، ومفعم بالمعنى، ما خلق علاقة ضمنية بين اللمسة اللونية والأصالة، تنعكس فيها قيمة المخزون الثقافي الإسلامي العريق بروح معاصرة.

إضاءة

وُلد مختار شقدار عام 1962، حصل على ماجستير التربية الفنية (تخصص: الخط العربي) من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، درس الخط العربي في الجامعات والكليات والمدارس والمعاهد والمراكز المختلفة، حصل على عدة إجازات في القرآن الكريم، يعمل في الوقت الحالي خطاطاً لكسوة الكعبة المشرفة، ومشرف حلقات تحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة، شارك في كثير من المسابقات والمعارض داخل السعودية وخارجها، شارك كرئيس لجنة التحكيم ونائب رئيس لجنة التحكيم وعضو لجنة التحكيم في العديد من المسابقات، حصل على مجموعة من الجوائز والشهادات في مسابقات مختلفة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"