وليد عثمان
يصعب على المرء أن يعدّد مرات كان فيها الصوت الإماراتي أول الداعين إلى الحكمة، المحذرين من مغبة تجاهلها في تسوية أي خلاف. ولا تبديل في هذا الموقف أبداً، أياً تكن العلاقة مع طرفي الخلاف أو أطرافه، فالهدف دوماً أن يعم السلام العالم، ولا سبيل إلى ذلك بالاقتتال الذي يلتهم البشر والحجر.
لم تنتظر الإمارات يوماً نشوب مشكلة في الإقليم أو خارجه لتتقدم صفوف الداعين إلى الحكمة في صوغ العلاقات السياسية مع الشقيق، والجار، والصديق، باعتبار هذا النهج منجاة من الزلل، وعاصماً من الصراع، وضماناً لتنعّم الإنسان، أينما كان، بثمار التنمية والتقدم التي لا تنضج أبداً بنار الحرب.
الإمارات وطن أُسس على الحكمة، حكمة البُناة التي تستضيء بها في كل وقت رؤى الدولة ومواقفها تجاه محيطها والعالم.
وحين ينفلت العقال، ويشتد الوغى، ويصبح الجميع على حافة الخطر، كما نحن الآن، يسافر الجهد الإماراتي إلى كل بقعة متزوداً بحكمته الأبدية والأمل في أن يغلب الرشاد على التهور، وتبصّر العواقب على النظر تحت الأقدام، واستشعار المسؤولية المشتركة على محاولة خطف مكسب ثمنه خسارات لا تحصى.
استبقت الإمارات الاعتداء الإسرائيلي على إيران، حين لاحت بوادر مأزق إقليمي، بتجديد الدعوة إلى حل أزمات المنطقة كلها بالدبلوماسية والحوار، فرهان العنف دائماً يخيب، والجنوح إلى الحرب والتعامي عن بدائلها يرتدّان حسرات ليس بوسعها أن تستعيد الأرواح والثروات وتصعّب عودة الثقة في قيم السلام والتعايش والاستقرار.
بهذه القناعة دانت الإمارات العدوان الإسرائيلي على إيران باسمه الحقيقي وبشكل لا يحتمل التأويل ولا ينفصل عن النهج الإماراتي الحكيم الذي لا يرى في القوة العسكرية، بكل معانيها، طريقاً لتسوية الخلافات، بل هي مفتتح صراعات جديدة تسد سبل التعاون المطلوب لبناء إقليم يحتكم جميع من فيه إلى الشرائع الدولية.
كانت الإدانة منطلقاً للجهد الإماراتي متعدد المحاور والأشكال، وفي كل الأحوال يرتكز على الحكمة، والانتصار للدبلوماسية في تسيير العلاقات وترويض الصراعات.
هذه الحكمة اقتضت القول، منذ اليوم الأول، إن عواقب استمرار الصراع واتساع نطاقه لن تستثني أحداً، وإن في لجمه بسرعة مصلحةً جماعية لا يجب تجاهلها. ورغم كل ما يبدو خانقاً للمنطقة من تشاؤم، وما يسيطر على شعوبها من عدم يقين، واستسلام البعض لليأس، لا تزال الإمارات ترفع صوتها فوق ضجيج الحرب دعماً للحوار، ودعوة إلى صائب القرار.
وتبذل الدولة صادق الجهد في مشاورات مع قادة العالم وعقلائه، ومع المنخرطين في لحظة الخطر التي نعيشها جميعاً، ومنهم المسؤولون الإيرانيون والإسرائيليون، لمنع تصاعد الصراع وتجاوز آثار أيامه الأولى بفهم يحمي سنين مستقبلنا جميعاً.
الحكمة، في أحد أوجهها، مسؤولية، والحاجة الآن أعظم إلى من ينصت إلى صوت الإمارات الذي تنطق به مواقفها الفعلية الساعية إلى قطع الطريق على جرح جديد لا تستحقه المنطقة.
ليعود إلى البشر في المنطقة ما يقوم عليه مستقبل آمن للجميع، لا نحتاج غير الحكمة، لكن الحرب إن اشتدت ستكلف الجميع ثمناً لا يمكن تعويضه.