د. ناجى صادق شراب
يتبادر إلى الذهن سؤال: هل من سلام ممكن بعد الحرب على غزه بكل تداعياتها وما تركته من كراهية وألم وفقدان الأمل؟ الإجابة نعم، ولكن بشرط قيام الدولة الفلسطينية الديموقراطية التوافقية كمقاربة رئيسية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفى إطارها تتم معالجة كل المشاكل والعُقد التي تراكمت على مر السنين بما فيها العقدة الأمنية واللاجئين.
لكن السؤال هنا، هل تريد إسرائيل السلام وتقبل بقيام الدولة الفلسطينية؟ هنا مقاربة الدولة ليست من المنظور التقليدي للدولة بعناصرها الثلاثة وهي السيادة والشعب والإقليم. لكن بمفهوم الدولة الإيجابية المتفاعلة، خصوصاً أن مقاربة الدولة الفلسطينية تصطدم بموقف إسرائيل كدولة والمشكلة هنا هي المفهوم القومي العنصري والديني لإسرائيل التي ترفض الدولة الفلسطينية وهي التي تقف وراء الحروب المستمرة والدفع اليوم إلى تهجير ملايين من الفلسطينيين وتكرار النكبة الفلسطينية الأولى.
المنطلق الأساس لهذه المقاربة يكون بالتسليم بوجود فلسطين الدولة وهذه حتمية سياسية وجغرافية وتاريخية والسؤال ثانية هو كيف يمكن للدولة الفلسطينية أن تكون الباب الواسع للسلام الشامل في المنطقة والمقصود به السلام مع كل الدول العربية؟
ابتداءً: إن مقاربة الدولة الفلسطينية تعتبر تنازلاً كبيراً من قبل الطرف الفلسطيني، فاستناداً إلى القرار الأممي للتقسيم رقم 181 والذي نص على قيام حل الدولتين من خلال إقامة دولة عربية بمساحة تقارب ال44 في المئة من مساحة فلسطين، فالحديث اليوم عن دولة فلسطينية بمساحة تقارب ال25 في المئة وهذا تنازل كبير، إضافة إلى أنه يمنح إسرائيل شرعية لكل سردياتها ومزاعم حقها في قيام دولتها اليهودية وهذا أيضاً تنازل تاريخي مهم. وثانياً: إن مقاربة الدولة الفلسطينية ستشكل إطاراً عاماً وشاملاً لكل إشكاليات القضية الفلسطينية وأهمها اللاجئين وفى سياقها قد يتم حل هذه المشكلة والتخلص من مشكلة المخيمات في الدول العربية وعودة اللاجئين لهذه الدولة:
ثالثاً: إن قيام الدولة الفلسطينية يقدِّم حلولاً لمشاكل إسرائيل الأمنية وبقائها بعدما فشلت كل الحروب التي قامت بها وآخرها الحرب على غزة في تكريس وجودها، بحيث لا تعود دولة عسكرية بل دولة مدنية ديموقراطية يمكن أن تتعايش مع محيطها وتتخلى عن طموحاتها في التوسع والتهويد.
رابعاً: إن مقاربة الدولة الفلسطينية تعني حل الصراع على المستوى العربي ومنح إسرائيل فرصة للسلام والتطبيع الشامل مع كل الدول العربية وهو ما يعني قبول إسرائيل في محيطها وإعادة بناء نظام إقليمي على أسس من السلام والتعايش المشترك والمشاريع الاقتصادية، في وقت تسود فيه الحرب الاقتصادية الكونية على مستوى العالم وقد يحول المنطقة برمتها إلى كتلة اقتصادية كبيرة لها تأثيرها ووزنها عالمياً.
إن قيام الدولة الفلسطينية يعني نزع العقدة الأمنية الأساس للصراع أو ما يعرف بعقدة ثيوسيديدس. خامساً: إن قيام الدولة الفلسطينية يعني نزع كل المبررات التي ترددها الجماعات المتطرفة ونزع بذور العنف والكراهية والحقد السياسي والعنصرية لتحل محلها قيم التسامح والسلام وهذا قد يتجسد على مستوى الإعلام والتعليم وبناء أجيال جديدة تؤمن بالسلام.
سادساً: إن قيام الدولة الفلسطينية سينعكس إيجاباً على حل الأزمات مع دول عربية مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر، وخاصة المتعلقة بمشكلة اللاجئين، وعودة لمفهوم الدولة العربية القوية ونزع مبرر التسلح.
هذه المقاربة هي المتاحة والعملية التي قدمتها الدول العربية من خلال مبادرة السلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 ورفضتها إسرائيل وما زالت ترفضها، لقد كانت هذه المبادرة رسالة واضحة وصريحة من جانب الدول العربية أنها تريد السلام كمقدمة لحل كل مشاكل المنطقة ووضع نهاية لصراع مديد استنزف الكثير من القدرات البشرية والاقتصادية ويبقى أن قيام الدولة الفلسطينية ستكون لها انعكاسات إيجابية على مستوى السلام العالمي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية من خلال السلام وليس بالحرب.
ولعل من أبرز التحولات الإيجابية التوجه نحو مزيد من الاعتراف الأوروبى والدولي بالدولة الفلسطينية، حيث إن هناك أكثر من مئة وأربعين دولة تعترف بالدولة الفلسطينية، كما أن الدولة الفلسطينية قائمة ومعترف بها في الأمم المتحدة كدولة مراقب ودولة لها عضوية كاملة في أكثر من منظمة وهيئة أممية.
إن الدولة الفلسطينية تكتسب حالياً المزيد من الزخم والتأييد باتجاه تحويل ذلك إلى واقع حقيقي في حال تخلت الولايات المتحدة عن دعمها المطلق لإسرائيل، ولم تمارس حق النقض (الفيتو) في حال التقدم بطلب إلى مجلس الأمن.