عادي
النظام العالمي القائم على القطب الواحد لايزال فعالاً

10 معادلات أمريكية في الحرب الإسرائيلية الإيرانية

23:17 مساء
قراءة 7 دقائق

د. أيمن سمير

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في قلب المعادلة الإيرانية الإسرائيلية عندما قطعت الثورة الإيرانية علاقتها مع إسرائيل، واحتجزت في نفس الوقت الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران لمدة 444 يوماً من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981، وعلى مدار نحو 45 عاماً فشلت كل المحاولات في تغيير موقف إيران من الولايات المتحدة أو تعديل موقف الولايات المتحدة من إيران، ومع الدعم السياسي والعسكري المطلق الذي يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل منذ عودته للبيت الأبيض في 20 يناير الماضي يُطرح سؤال كبير.. ما هي المكاسب الجيو- استراتيجية التي تجنيها واشنطن من الدخول المباشر في الحرب بجانب إسرائيل ضد إيران؟ خصوصاً أن الرئيس الأمريكي قدم دعماً غير مسبوق لإسرائيل خلال الشهور الأولى من ولايته الثانية أبرزها استئناف تسليم شحنات السلاح والذخيرة التي جمد الرئيس السابق جو بايدن تسليمها الى إسرائيل، وهي ذات الذخيرة التي تستخدمها الطائرات الإسرائيلية في قصف المفاعلات النووية والبرنامج الصاروخي الإيراني

قاد ترامب بالفعل حملة عسكرية قوية أضعفت كثيراً من قدرات حلفاء إيران الحوثيين في اليمن بعد أن صنف الحوثي جماعة إرهابية أجنبية في 4 مارس الماضي، ورغم أن ترامب هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الامريكية إلا أن دعم الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ للتدخل العسكري ضد إيران يعزز من قرار الرئيس ترامب خصوصاً أن الجمهوريين يتمتعون بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. لكن هناك بعض الأصوات التي ترفض صدور قرار الحرب من الرئيس، وأن مثل هذا القرار الكبير ينبغي أن يصدره الكونجرس، ومن هؤلاء النائب الجمهوري توماس ماسي الذي وصف أي حرب مع إيران بأنها «ليست حرب أمريكا»، ويقود ماسي حملة في مجلس النواب الأمريكي لمنع تدخل الولايات المتحدة في الصراع المتصاعد، وتنطلق معارضته ومن معه من «حساب التكاليف» وحجم المكاسب والخسائر لمثل هذا القرار، ليس فقط على إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة، بل على مصالح حلفاء واشنطن الآخرين حيث تنحاز دول المنطقة العربية ودول الشرق الأوسط الى ضرورة خفض التصعيد، وعدم توسيع رقعة الحرب، وتفضيل الحلول السياسية والدبلوماسية والعودة الى طاولة المفاوضات، فما هي الحسابات الامريكية في الصراع الإسرائيلي الإيراني؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة والرئيس ترامب أن يجنبا المنطقة مزيداً من الصراعات والحروب؟ ونرصد في السطور التالية 10 معادلات تتحكم في طبيعة القرار الأمريكيي تجاه التدهل في الحرب والذي أعلن البيت الأبيض منذ يوين أن ترامب سيعلن عنه خلال أسبوعين.

10 معادلات:

أولاً: اغتيال ترامب

لم يعلق البيت الأبيض على حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي لشبكة فوكس نيوز الأمريكية يوم 17 يونيو الجاري الذي قال فيه إن إيران هي التي حاولت اغتيال الرئيس ترامب مرتين عام 2024 عندما كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية، وجرت المحاولة الأولى في باتلر بولاية بنسلفانيا، والمحاولة الثانية تتعلق باعتقال شخص مسلح قرب نادي ترامب للجولف، وسبق للرئيس ترامب نفسه القول في نوفمبر 2024 بأن إيران كانت وراء عمليتي الاغتيال، بما يؤكد وجود جوانب شخصية في قرار دعم ترامب لإسرائيل في حربها ضد إيران التي ترى في الرئيس الأمريكي عدواً لها منذ ولايته الأولى عندما كانت إيران محور «الاستراتيجية الأمريكية» في الشرق الأوسط حيث انسحب ترامب في 8 مايو 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه باراك أوباما في يوليو 2015، وفرض أقصى العقوبات الاقتصادية على طهران منذ 2 نوفمبر 2018، ومع عودته للبيت الأبيض في 20 يناير الماضي اتخذ ترامب خطوات كبيرة نحو إضعاف إيران وحلفائها في المنطقة عندما قاد أول حرب في تاريخه ضد حلفاء إيران الحوثيين في اليمن، وتتهمه إيران بأنه شارك في خطة لتضليلها عندما أرسل مبعوثه الخاص ستيفن ويتكوف للمفاوضات معها في 5 جولات، وقبل الجولة السادسة أعظى الضوء الأخضر لإسرائيل لمهاجمتها.

ثانياً: دعم الازدهار

هناك من يقول في واشنطن إن إيران كانت وراء «عدم الاستقرار» طوال ما يقرب من نصف قرن من تاريخ الشرق الأوسط، ولا بد من استغلال ما حققته إسرائيل في الأيام الأولى من الحرب، والبناء عليه لتركيع إيران، وإعادتها الى الجغرافيا الإيرانية حتى لا تكون عاملاً مزعزاً للاستقرار في المنطقة كما كانت في الماضي، وأن الضربات الإسرائيلية تؤكد أن إيران باتت «بلا حارس»، وأن دعم أمريكا لإسرائيل سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سوف يعزز السلام والاستقرار في المنطقة بما يحولها لمنطقة «مزدهرة» بعد عقود طويلة من الصراعات. لكن هناك فريقاً أخر يخشى من تداعيات التدخل الامريكي المباشر، لأنه من وجهة نظر هذا الفريق قد يؤدي ذلك الى فوضى عارمة في الشرق الأوسط إذا قررت إيران الرد على الدعم الأمريكي باستهداف الرعايا والجنود الأمريكيين في المحيط الهندي والبحر الأحمر وشرق المتوسط ومنطقة الخليج، وتأثير كل ذلك على سلاسل الإمداد، خاصة إمدادات الطاقة حيث يعبر من مضيق هرمز نحو 20% من الصادرات النفطية عالمياً، ويذهب البعض بعيداً في التخوف من دعم واشنطن المباشر لتل أبيب بدرجة تؤدي الى إضعاف الدولة المركزية الإيرانية بما يساهم في خلق صراعات داخلية إيرانية يكون لها تأثير سلبي في حلفاء أمريكا في المنطقة حيث يشكل الفرس 51% فقط من مجموع السكان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، في حين يشكل الأكراد 24%، والجيلاك المازندارنيون 8%، والأذريون 7%، واللور 7%، والعرب والبلوش والتركمان 2% لكل منهم، وبقية العرقيات 1% من السكان.

ثالثاً: سيناريو «بوش الأب»

لا تفضل واشنطن في تلك المرحلة «إسقاط النظام الإيراني»، وترى من الافضل أن يسقط بفعل تحرك شعبي داخلي حتى لا تتهم الولايات المتحدة بأنها تسقط الحكومات من الخارج، وهناك توافق بأن الضربات الحالية في إيران قد تدفع الشعب الإيراني للخروج على نظام الحكم والتخلص منه على غرار النموذج السوري وكما خرج الشعب الايراني نفسه في ثورات كثيرة كان آخرها عام 2022، لكن البيت الابيض، ووفق ما صدر أكثر من مرة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي فإن واشنطن تفضل «سيناريو جورج بوش الأب» الذي نجح في تحرير الكويت وطرد الجيش العراقي منها لكنه لم يذهب الى إسقاط نظام حكم صدام حسين عام 1991، واستمر صدام في الحكم حتى عام 2003.

رابعاً: محور الشر

يرى الكثير من الأمريكيين أن إيران كانت ضمن «محور الشر» منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن، وكانت وراء مقتل نحو 4700 جندي أمريكي، بالإضافة لقتل المئات من المدنيين الأمريكيين أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق في الفترة من 2003 حنى 2011، ولهذا يدعم الصقور في الادارة الأمريكية ضرورة المشاركة المباشرة في الحرب ضد إيران بهدف الانتقام لهؤلاء حيث تربط المخابرات الأمريكية بين قتل كل هؤلاء الجنود، وما تقوم به إيران في العراق منذ عام 2003 بمن فيهم الجنود الأمريكيون في قاعدة عين الأسد التي هاجمتها إيران رداً على مقتل سليماني قبل ما يزيد على 5 سنوات.

خامساً: صناعة التاريخ والتغيير

يعتقد الرئيس ترامب أن عليه أن يستكمل «صناعة التاريخ والتغيير» في الشرق الأوسط الذي بدأ في ولايته الأولى، ويتفاخر المقربون من ترامب بأن رئيسيهم هو الذي اغتال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في 3 يناير 2020، وأن اغتيال سليماني كان البداية الحقيقية لإضعاف إيران وأذرعها في المنطقة، وأن منحنى القوة والتمدد الإيراني في المنطقة بدأ يتراجع في المنطقة مع قرار ترامب باغتيال سليماني، وأنه لم يأت لفيلق القدس أي زعيم أخر بقوة وحنكة ومقبولية قاسم سليماني، ولهذا يرى فريق الرئيس ترامب في الدعم القوي لإسرائيل أنه بمثابة «استكمال لمهمة» كان فصلها الأول في ولاية ترامب الاولى، وها هو يستكملها في ولايته الثانية بمساعدة إسرائيل على تدمير البرنامج النووي والصاروخي الإيراني.

سادساً: الترابط مع غزة وأوكرانيا

يتفق البيت الأبيض على أن هناك ترابطاً بين جبهات وساحات الحرب في غزة وأوكرانيا وإيران، وأن هزيمة إيران عسكرياً وتقليص نفوذها في المنطقة، وتقليم أظافرها عسكرياً سوف يكون له أثار وثمار إيجابية على جبهات أخرى هي غزة وأوكرانيا حيث تشير الحسابات الأمريكية أن إيران كانت شريكة في هجوم 7 أكتوبر 2023، وتتسبب حالياً في تعثر المفاوضات بين حماس وإسرائيل، وأن خروج إيران من المشهد، وانهيار زعيمة ما يسمى «محور المقاومة» سوف يكون له تأثير إيجابي في عقد صفقة بين حماس وإسرائيل، وإنهاء الحرب الطويلة في غزة.

نفس التفسير يذهب به الإسرائيليون والأمريكيون إلى جبهة الحرب الروسية الاوكرانية، وأن تدمير الصواريخ والمسيرات الإيرانية سوف يوقف إرسال آلاف المسيرات الإيرانية من طراز شاهد، التي تقول الولايات المتحدة وأوكرانيا بأن إيران تزود بها روسيا منذ أكثر من 18 شهراً

سابعاً: استئناف مسار التطبيع

يعتبر الرئيس ترامب إحياء مسار التطبيع بين إسرائيل من جانب والدول العربية والإسلامية من جانب أخر أحد أبرز أهداف ولايته الثانية، وهناك تقديرات أمريكية وإسرائيلية وحتى أوروبية تقول إن أحد أهداف إيران في دعم هجوم 7 أكتوبر 2023 هو وقف التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية، ولهذا هناك اعتقاد راسخ بأن إضعاف إيران أو خروجها من المعادلة الإقليمية سوف يسمح للولايات المتحدة وإسرائيل ليس فقط باستئناف وإحياء مسار التطبيع، بل بتحقيق هذا الهدف دون كلفة سياسية أو اقتصادية كبيرة، لأن من وجهة نظر البيت الابيض فإن طهران وما يسمى بمحور المقاومة لعبوا دوراً كبيراً في تأجيج المشاعر الرافضة لعملية التطبيع.

ثامناً: صفقة القرن 2

ترى واشنطن ثماراً كثيرة لإضعاف إيران وهزيمتها في المواجهة مع إسرائيل، وإحدى هذه الثمار يمكن أن تصل الى الملف الفلسطيني عبر تسويق صفقة جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن أن يطلق عليها «صفقة القرن 2»، ودائماً ما تقول إسرائيل إن إيران وحلفاءها كانوا جزءاً من خطة الرفض العربية والإسلامية لصفقة القرن التي طرحها الرئيس ترامب في ولايته الأولى، ومن شأن إزاحة إيران، وتهميش دورها ودور حلفائها الإقليميين أن يعززا من فرص قبول الفلسطينيين رؤية الرئيس ترامب لحل القضية الفلسطينية.

تاسعاً: طريق الحرير

إيران هي جزء رئيسي من مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينج عام 2013، وهناك اتفاقية شراكة استراتيجية صينية إيرانية مدتها 25 عاماً، ومن شأن إضعاف إيران أو تفتيتها وسقوط نظامها سواء من الداخل أو الخارج أن يخلق فوضى في طريق طويل ضمن مبادرة الحزام والطريق، وهذا قد يؤثر سلباً في تدفق البضائع الصينية إلى بعض الأسواق العالمية خصوصاً أن إيران جزء من الإمدادات النفطية للصين، وكل هذا يصب في صالح الولايات المتحدة في تنافسها الجيو-استراتيجي مع الصين.

عاشراً: النظام القائم على القواعد

مع صعود منظمات إقليمية أخرى مثل البريكس وشنغهاي دار حديث طويل عن نهاية زمن القطب الواحد والدخول الى عالم متعدد الأقطاب، لكن المشاركة الأمريكية المعلوماتية والاستخباراتية لإنجاح الضربات الاستباقية الإسرائيلية في 13 يونيو الماضي، ودعم منظومات «باتريوت» و«ثاد» الأمريكيتين في إسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية تقول بوضوح إن «النظام القائم على القواعد» الذي تقوده الولايات المتحدة منذ انهيار جدار برلين لا يزال فعالاً، ومن خلال الحرب الإسرائيلية الإيرانية ترسل واشنطن «رسالة بعلم الوصول» إلى جميع منافسيها في روسيا والصين وكوريا الشمالية وغيرها بأنها لا تزال «المحور والمحرك» لكل التفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم.

[email protected]

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"