عادي
في شاعرية البصر

«الثلث الجلي».. الحرف بيت الجمال

22:47 مساء
قراءة 3 دقائق
حسن جلبي

الشارقة: عثمان حسن

الثلث الجلي هو خط يتميز بكل المواصفات الفنية التي تؤهله للاستخدام بكثرة في اللوحات، من هنا، فقد برز هذا الخط بكثرة في الأعمال التي أبدع من خلالها الفنانون سلسلة من الرؤى الجمالية والبصرية المبتكرة، فهو كما يوصف من الخطوط التي يمكن صياغتها في أشكال وتراكيب هندسية مختلفة تأسر النظر بما فيها من إبداعات تمزج بين أصالة هذا الخط وعراقته وبين المنظور الحداثي أو المعاصر.

من اللوحات التي يمكن التوقف عندها واحدة للخطاط التركي الشهير حسن جلبي في الثلث الجلي استخدم فيها الآية الكريمة: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }، نتوقف في هذه اللوحة عند نموذج خطي يمزج بين الأصالة والمعاصرة، في الفن الإسلامي، وهي ميزة ظاهرة في أعمال حسن جلبي، حيث تفردت هذه اللوحة على وجه الخصوص بقدرة الخطاط على التعامل مع مرونة الحروف وتشابك بعضها كما في حرفي الكاف والألف في (بكاف) وفي الحروف الثلاثة المكونة لكلمة عبده، حيث تشابكت (العين) مع (الباء) مع (الهاء) كما هو واضح في اللوحة.

نجحت اللوحة في تحقيق ما يمكن أن نسميه (التوازن الديناميكي) عبر توزيع الكتل الخطية على مساحة اللوحة، فاستطاع جلبي أن يلفت نظر المشاهد إلى مجموعة من العناصر الجمالية التي تجلت في تكوين فني فريد، ومنها اعتماد الخطاط نظام التقسيم الثلاثي، وهو تركيب بصري يعزز المعنى المقصود من اللوحة، من خلال ما نشاهده من توازن بصري بين حروف وكلمات الآية الكريمة، والتقسيم الثلاثي الذي اختاره جلبي واضح في (أليس الله) و(بكاف) و(عبده) وهذه الأخيرة جاءت في منتصف اللوحة وبلون مميز، هو الأحمر.

ومن يدقق في اللوحة، يكتشف ومن خلال هذه العناصر المكونة لحروفها حركية درامية تتشكل من عناصر الضوء والظل، ومن التدرج اللوني، وقد نجح جلبي مرة أخرى في توجيه نظر المشاهد إلى مركز اللوحة في كلمة (عبده) التي توسطت الكتلة الخطية ليضيء على وهج المعنى، من خلال من يوجه له الخطاب وهو رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، أما استخدام اللون في اللوحة ما بين الأحمر والأسود، فقد كان مقصوداً أيضاً ليحدث ذلك المزيج من القوة والعاطفة والحيوية.

فراغ إيجابي

ومن جهة أخرى، فقد تعامل جلبي في هذه اللوحة مع ميزة تختص بالثلث الجلي من خلال سماكة الحروف ووضوحها، كما خط توقيعه الشخصي في أسفل اللوحة، وقام بتوزيع النص أو الآية الكريمة توزيعاً أفقياً ظاهراً مع تركه لمساحات فارغة بين أجزائها أو يمكن أن نطلق عليه (الفراغ الإيجابي) حول الخط وذلك لتعزيز ثيمة الوضوح في اللوحة.

ويمكن أيضاً التوقف عند انسيابية الحروف في كلمة (كاف) وكلمة (عبده) مما أظهر براعة الخطاط في استخدام ديناميكية التشكيل، حيث التشكيل الهندسي يعد جزءاً لا يتجزأ من عناصر الجمال في خط الثلث الجلي.

لقد حرص جلبي في هذه اللوحة على إكسابها مزيداً من عناصر الجمال وذلك من خلال الإطار البني الذي احتضن النص القرآني، والبني هنا، لون يشعرنا بالراحة، ويرمز -كما هو معروف- في الفن الإسلامي إلى الطبيعة والاستقرار والموثوقية، وهي معان بالغة الدلالة والأهمية.

إضاءة

الفنان التركي حسن جلبي أحد أعلام فن الخط العربي، لقب ب«شيخ الخطاطين» في العالم لما تركه من بصمة في العديد من المساجد الكبرى في مختلف القارات، ولد حسن جلبي عام 1937 في قرية إينجي التابعة لبلدة أولتو بولاية أرضروم شرقي تركيا. وخلال سنوات دراسته الابتدائية، لم يقتصر تحصيله على القراءة والكتابة فحسب، بل حفظ القرآن الكريم بالكامل في سن مبكرة.

في عام 1954، انتقل جلبي إلى إسطنبول لمتابعة دراسته في العلوم الدينية، فالتحق بمدرستي «أوج باش» و«جينلي»، حيث درس اللغة العربية والعلوم الشرعية.

وهو من أبرز الفنانين الأتراك الذين تركوا ميراثاً خطياً غنياً، ولا تزال آثاره تثير إعجاب الزائرين في كثير من الدول الإسلامية وفي العالم.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"