وليد عثمان
لم يكن الاعتداء الإسرائيلي على إيران مفاجئاً لكثير من المراقبين، بل هو في يقينهم ثمرة سعي طويل مخطط له منذ شهور رغم ما ساد في الأسابيع الأخيرة من تفاؤل بألا تقع المواجهة تأسيساً على المفاوضات التي بدأها الجانبان الإيراني والأمريكي حول الملف النووي.
كل الأطراف في المنطقة رحبت بالانخراط في المفاوضات وانتظرت أن تسفر عن نقاط تلاقٍ تكون أساساً لإبعاد شبح أي مواجهة، أولاً، وتفضي، ثانياً، إلى اتفاق ينتصر لقيمة الدبلوماسية في حل الخلافات ويبعد المنطقة والعالم عن حالة الاضطراب التي نعيشها الآن ونتخوف من أن تتوسع إلى ما لا يحمد عقباه.
ورغم غبار الحرب الذي يملأ أجواء المنطقة، فإنه لا يحجب قناعة كثيرين، في مقدمتهم الجانب الإيراني، أن مفاوضاته مع نظيره الأمريكي كانت مراوغة منه وستاراً يخفي تهيؤ إسرائيل لهجوم على إيران كانت تخطط له منذ فترة طويلة وليس وليد اللحظة.
هذا الاستعداد الإسرائيلي انبنى أولاً على تقليم أظفار إيران في المنطقة، أو القضاء على كيانات مرتبطة بها عقدياً أو سياسياً. ومقدار العنف الإسرائيلي في غزة والإصرار على تغييب حركة «حماس» عن الساحة نهائياً، هما في أحد وجهيهما إصرار على قطع صلتها بطهران، وتلا ذلك الإجهاز على «حزب الله» وربط أي تحرك منه ضد تل أبيب بتدمير لبنان، واستغلال مرحلة الانتقال بين نظامين في سوريا للتمدد فيها بعد خفوت الوجود الإيراني، والضغوط الأمريكية على بغداد لتحييد الجماعات العراقية المرتبطة بطهران. وربما جرت تفاهمات أمريكية حوثية لإبعاد الفصيل اليمني عن المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية.
قطع كل هذه الروافد المرتبطة بإيران هيأ لإسرائيل أن الاعتداء على إيران برضا واضح ودعم غير مباشر من الولايات المتحدة سيحقق نصراً سريعاً يغني عن التفاوض مع طهران، بل يضاعف المكاسب المرتجاة منه ويطيل أثرها.
وأغرت نتائج الأيام الأولى للحرب، بالنظر إلى عدد المسؤولين الإيرانيين والعلماء المرتبطين بالبرنامج النووي، إسرائيل بالمواصلة رغم التحذيرات الإقليمية والدولية من خروج الأمر عن السيطرة، وراهنت على أن يبادر الجانب الأمريكي إلى مؤازرتها أملاً في حسم أسرع من التوقعات.
كل هذه الحسابات بدا أنها خاطئة، أو على الأقل غير دقيقة ما دامت الحرب لم تنته، فوقائع الأيام الأخيرة تبيّن أن إيران تجاوزت صدمة الضربات الإسرائيلية الأولى، وأن ردودها عليها تتصاعد وتحقق توازناً، بل إن الأثر المجتمعي قد يكون أكبر في إسرائيل، حيث لا اعتياد على الفزع الطويل وتوقف الحياة، بينما كان تأليب المجتمع الإيراني على نظامه من الأدوات التي استخدمتها تل أبيب وواشنطن، فضلاً عن خطيئة المجاهرة بالسعي إلى قتل المرشد الإيراني.
هذه الحسابات قد تتعقد أكثر إذا استمر هذا التوازن في الإيلام بين إيران وإسرائيل، خاصة في ظل ضبابية الموقف الأمريكي إذا انتظرنا أسبوعين لنعرف طبيعته، كما أُعلن، ونشاط الأدوار الصيني والروسي والأوروبي.
[email protected]