مع تجاوز المواجهة الإيرانية الإسرائيلية أيامها العشرة الأولى واتجاهها لتكون حرب استنزاف مفتوحة، تتسارع الجهود الدبلوماسية على مستويات عدة لكسر دائرة النار وتفادي اتساعها وامتدادها إلى أطراف أخرى، إقليمية ودولية، مع ما يواكب ذلك من تأثيرات وتداعيات تهدد الأمن العالمي بأسره.
هذا الوضع الاستثنائي، استدعى من دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً دبلوماسية استثنائية أيضاً، فمنذ اليوم الأول لبدء الاستهداف الإسرائيلي المدان لإيران، بادر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى التواصل مع قيادات الدول الشقيقة والصديقة ضمن رؤية سياسية تدفع إلى احتواء الموقف ووضع حد للتصعيد، وتدعو إلى ضرورة ضبط النفس والاحتكام إلى الحوار لتفادي تعريض الأمن الإقليمي والعالمي إلى مزيد من التهديدات.
وبهذه المواقف الواضحة تنهض الإمارات بدور فاعل ضمن المساعي المبذولة لإنهاء التوترات المتوالية في الشرق الأوسط. ورغم تعقد المشهد، ووجود قوى تدفع إلى تأزيمه أكثر، مازال الأمل قائماً بالخروج من هذه الدائرة المغلقة، وهناك فرصة لدرء الخطر المحدق واستعادة الاستقرار، وهذا ما تراهن عليه الإمارات وكل القوى الساعية إلى السلام والمدافعة عن الاستقرار الإقليمي والدولي.
التوصل إلى وقف هذه الحرب المستعرة، سيكون إنجازاً فارقاً في هذه المرحلة، ويحمي المنطقة من تهديدات خطرة باتت واضحة للعيان، لاسيما أن هذه المعركة غير تقليدية، وتدور عبر التبادل اليومي للغارات الجوية والضربات الصاروخية والعمليات الاستخبارية والاختراقات السيبرانية، وتنذر بخطر نووي كبير في ظل الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للمنشآت الذرية الإيرانية، وتلويح طهران بضرب مفاعل إسرائيل النووي في ديمونة. والتهديد النووي بهذه الصور هو تحد غير مسبوق في الصراعات الحديثة، وأخطر مما جرى في أوكرانيا لأن هناك دولة مسؤولة اسمها روسيا لم تسمح بأن يكون هناك خطر رغم وجود مفاعلات هناك.
أما في منطقتنا، وطالما هناك هذا التهور الإسرائيلي غير المحسوب فإن المقامرة باستهداف المنشآت النووية قد تقود إلى ما لا يحمد عقباه، حقيقة لا مجازاً، خصوصاً إذا تم فعلاً الإضرار بالبنية التحتية النووية، التي يفترض أن هناك قوانين دولية خاصة لحمايتها خلال الصراعات وأن حل الخلاف حولها محرم بالوسائل العسكرية، وإنما بالحوار والتفاوض ضمن مبادئ معاهدة مكافحة الانتشار النووي وأسلحة الدمار الشامل.
في ظل هذه الأوضاع الخطرة، فإن كل يوم إضافي في هذه الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل يحمل معه تهديدات ومخاوف، ويستدعي بذل أقصى الجهود لوقف هذا التهور. ولا شك أيضاً في أن طول هذا الصراع سيعقد المساعي الدبلوماسية، وقد يحوله إلى حرب استنزاف طويلة ستجلب عواقب وخيمة للغاية. وهو وضع يتعارض مع مصالح الأمن الإقليمي، وخصوصاً دول الخليج العربي التي بنت نموذجها الحضاري على التنمية والتعاون المتعدد الأطراف والازدهار المتكامل، وتمثل الشريان الرئيسي لأسواق الطاقة العالمية، وهو ما يجعلها حيوية ومركزية في هذا المجال، ويستدعي تحركاً وتنسيقياً دولياً واسعاً لحفظ استقرار هذه المنطقة، والمسارعة إلى وقف هذه الحرب المتأججة التي بدأتها إسرائيل دون أن تعرف عواقبها وتأثيراتها المدمرة في جميع الأطراف.