صحراء الملح مع مساعد

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

تستمر رحلتنا في أمريكا اللاتينية، مغامرة قد تبدو قاسية ومرهقة، لكنها بدون تردد مبهرة في التنظيم والتفاصيل التي يشرف على أدق ما فيها الرحالة الكويتي «مساعد البنوان»، في يوم أقنعني وأنا في أوج المرض والتعب أن أحاول، وأكون جزءاً من رحلة «صحراء الملح» في بوليفيا، تلك الدولة التي سنعبر حدودها مشياً، ننتقل بين الدولتين كما يعبر شعباها، في انغماس تام في الحياة وبساطتها...!
صباحاً، خارج قطار «بلموند إنديان إكسبرس»، لحظة الشروق الخاطفة التي انتظرناها مع برد قارس، تأمل الحياة من حولنا، وكيف أن الصور والأماكن في مختلف القارات قد تتشابه وتتداخل؛ انتظرنا الوصول للحدود كثيراً، فقد أثار فينا «مساعد» فكرة المغامرة، والتجربة التي قد لا تتكرر في أي مكان في العالم، في تلك الدقائق التي لم تستمر لأكثر من ساعة، وقفنا بين «بيرو وبوليفيا» وامتدت أرجلنا من الجانب الأول للثاني، وأنت تنظر لأفواج المارة، الحقائب المتنقلة، ومنها حقائبنا، في مشهد لم أتخيل يوماً أن أراه، في عربات ٣، كانت تجربة من قبل مجموعة من الناس، انتقلت بانسيابية بين البلدين معنا.. وكأنك لست من عالم «الذكاء الاصطناعي» أو طفرة التكنولوجيا الحديثة، بل تستسلم وتعيش في زمنهم، وفهمهم، وثقافتهم..!
بعد يوم شاق ووصول مزدحم، نخرج صباحاً بحقائب صغيرة إلى المطار، وكأننا ملتزمون بجدول عسكري، منظم، لا يمكن تجاهله حتى يمكننا أن نصل للوجهة التي أطلق عليها «بصمة الرحلة في بوليفيا»، وصلنا لمدينة سولار دو اوريوني باكراً، وركبنا جميعاً سيارات رباعية، رحلة حقيقية في الصحراء، لكنها ليست صحراء عادية، بل مكان أشبه بالخيال وإن لم أصدق قبلها ما يمكن أن أرى، إنها «صحراء الملح» على امتداد بصرك، بياض عجيب، تتجلى فيه عظمة الله، في عدله أن أعطى الشعوب في كل قارة ما لا يشبه غيرها، أرض كبيرة تنتج الملح، وتعيش عليه، أرض صلبة بيضاء، سأسميها «بياض الخير» تخيلت كيف يمكن لهذه الثروة أن تغير حياة شعبها إن استثمرت بميزان استثماري وعقلية واعية..!
أرض الملح، بقعة أخاذة غطى الماء مكعبات الملح الصلبة، مشينا بأرجل تبتل فرحاً، وأطراف تنتفض برداً بدرجة وصلت (-٧)، كنت أتأمل المكان وأنا في حالة حلم، كيف أن في هذا العالم أماكن أخرى لا تشبه ما عندنا، وأن إبداع الله يستحق المغامرة والتعب، في آخر لحظات الغروب، في صمتي المتجلي بانبهاري سألني «مساعد» هل كانت التجربة تستحق أن أتحدى مرضي وتعبي؟ قلت له: شكراً أنك لم تقبل تنازلي عن هذه الرحلة. هي رحلة التغيير من الداخل، والرغبة في التعرف أكثر الى عوالم لا تشبهنا..!
للحديث بقية..

[email protected]

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"