هل تستهويك مفارقات طرح الأسئلة؟ لعبة مسلّية، لكن، حذار، فليست مسلاةً ولا ملهاةً. بماذا تجيب إذا سألك أحدهم: هل للفرد دور في الجغرافيا السياسية؟ أغلب الظن أنك ستنظر إليه شزراً، تراه إمّا هازلاً في شؤون الجدّ، وإمّا غافلاً أو متغافلاً، مزهوّاً بقولهم: «ليس الغبيُّ بسيّدٍ في قومهِ.. لكنّ سيّد قومه المتغابي».
الشأن الجيوسياسي، في اعتقادك، لا يملك مفاتيح مغلقات أسراره، إلا أولو الحل والعقد في لعبة الأمم. لكن، ماذا تقول للشخص نفسه إذا سألك: ما هو دور الفرد في قضايا الأمن الوطني والأمن القومي؟ أليس هذا مرادف ذلك، كما يقول التوحيدي: «وهذا هذا»؟ يقيناً، الأمر أمرك إذا انصرف ذهنك إلى أن القلم يريد جرّك إلى السؤال: كيف لم تفكر أنظمة التعليم العربية في جعل محاور الأمن القومي، العمود الفقري في مقرّر التربية الوطنية؟ بل إن منظومة القيم النابعة من دعائم الهوية وركائز الشخصية تقضي بالذهاب في النظرية التربوية والتعليمية، إلى ما هو أبعد بكثير وأهمّ، من خلال مهارات الأداء التربوي. التربية يجب أن تكون بمثابة الدورة الدموية في الجسم، التي تحمل الغذاء (أيّ مواد المقرر الدراسي) إلى كل الخلايا.
للأسف، ومن دون عتاب، أنظمة التعليم العربية تتعامل مع المناهج كما لو كانت مجرد وظيفة أو حرفة محدودة الأبعاد والآثار: تعبئة أوعية الأمخاخ باللتر أو بالجالون، في معامل المدارس، وعند التخرج تلصق عليها ملصقات الشهادة: مهندس، طبيب، حقوقي... والراسب إلى مهملات المجتمع، لا قدّر الله.
الومضة الفكرية، التي قد يراها البعض نشازاً في المناهج، هي ضرورة «تذويب» التربية الوطنية، وجعلها منظومة وعي بالأمن القومي، تسري في شرايين جميع المواد الدراسية بلا استثناء، بتعبير مباشر: أن تكون الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والزراعة والصناعة والحقوق، والعلوم الشرطية والعسكرية والإدارية، والعشرات غيرها، تحمل في وسائلها وغاياتها خدمة الأوطان والإنسان والأمّة. هذه ليست كماليات أو هامشيّات اختياريّة، فيكون للمدارس أو الطلاب في ما يعشقون مذاهب. هذه أمانة إزاء شعوب وأوطان.
لك الحق في أن ترى ما يحلو لك أن ترى، كل المطلوب هو أن تجود بلفتة كريمة إلى الخريطة العربية، وهي تجرفها الألواح التكتونية الجيوسياسية والجيوستراتيجية، من دون أن تعرف شيئاً عمّا تخبئه لها الزلازل والقلاقل. هل يعقل أن تكون الأمّة أربعمئة مليون من النساك الزهاد المتصوفين، القائلين بقول العرفاء: «الإرادة هي ألا تفعل»؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: الأنكى في الاستشراف، ألا يرى الناس الأمور تشارف على الأدهى.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







