القطبية.. والحرب بين إسرائيل وإيران

00:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالله أحمد آل علي*

في منتصف عام 2025، اندلعت شرارة مواجهة عسكرية معقدة بين إسرائيل وإيران، بدا فيها المشهد أكثر من مجرد تصعيد تقليدي. فالهجوم الذي شنّته إسرائيل على منشآت نووية وصاروخية في نطنز وفوردو وأصفهان، لم يكن استباقياً فحسب، بل جاء محمّلاً برسائل تتجاوز الحدود الإقليمية، لترتبط بمسألة أعمق: القطبية العالمية، وموقع الولايات المتحدة في قلبها. منذ نهاية الحرب الباردة، سعت واشنطن إلى تثبيت موقعها كقطب أوحد يضبط الإيقاع الدولي ويمنع بروز أي قوة مناوئة.
والحرب الجارية اليوم، ودخلت الولايات المتحدة على خطها بشكل مباشر، ليست استثناءً من هذا التوجّه، بل يمكن قراءتها كفصل جديد في هذا المسار، إذ تحركت الولايات المتحدة بدعم سياسي وعسكري واستخباراتي غير مسبوق لصالح إسرائيل، شمل تفعيل أنظمة دفاعية متقدمة، ودعماً لوجستياً عالي المستوى، إلى جانب حماية سياسية في المحافل الدولية.
ووفق تقارير صادرة عن Brookings Institution وCSIS، فإن واشنطن تعتبر أن تدمير القدرات النووية الإيرانية يُعدّ جزءاً من صيانة النظام الدولي القائم على الردع الأمريكي المستقر، لا مجرد حماية لحليف إقليمي في الشرق الأوسط. في المقابل، ورغم العزلة المعلنة، لم تكن طهران وحدها فعلياً،
إذ تشير تقارير صادرة عن مراكز بحثية روسية، مثل RIAC، إلى أن إيران تلقّت دعماً تقنياً من موسكو في مجال الحرب السيبرانية، إلى جانب مشاورات استراتيجية بين القيادات العسكرية في طهران وبكين حول احتمالات التنسيق الاستخباراتي. كما كشفت دراسة لمؤسسة Carnegie Moscow Center أن بكين تتعامل مع هذه الحرب كحقل اختبار لمدى تماسك الغرب في ظل أزمة مزدوجة: شرق أوسطية وشرق آسيوية في آنٍ واحد. من جهة أخرى، تقف إسرائيل في موقع مركزي، ليس فقط كفاعل إقليمي، بل كوسيط بين الاستراتيجية الأمريكية وواقع الصراعات الإقليمية.
فإسرائيل لا تخوض الحرب دفاعاً عن أمنها فقط، بل تؤدي، كما ورد في تقييم صادر عن مركز INSS الإسرائيلي، دوراً وظيفياً في اختبار حدود الردع الإيراني، وكبح أي إمكانية لتكريس نظام مضاد للهيمنة الغربية انطلاقاً من طهران. أما التحركات غير المعلنة لباكستان، التي سمحت – بحسب RUSI – بمرور طائرات عسكرية إيرانية عبر مجالها الجوي، فتشير إلى أن خطوط الانقسام باتت غير واضحة بين محاور الحرب، وأننا أمام بنية نزاع مرشّحة للتمدد، وقد تُكسر فيها قواعد الاشتباك التقليدية.
وهذا يعيد إلى الواجهة سؤالاً جوهرياً: هل هذه الحرب تمهيد لحرب كبرى؟ أم أنها ذروة جديدة في الحرب الباردة المستترة بين أقطاب العالم؟ إن مستقبل هذه الحرب مرهون بعاملين أساسيين: مدى قدرة إيران على الصمود سياسياً وعسكرياً، ومدى استعداد روسيا والصين للانتقال من الدعم الرمزي إلى مستويات أكثر وضوحاً من الانخراط. وإذا فشلت إيران في الحفاظ على توازن الردع، أو انهار نظامها السياسي تحت ضغط داخلي وخارجي متزامن، فإن المشهد سيتغيّر، ليس في الخليج فحسب، بل في المعادلة الدولية بأكملها.
في هذا السياق، يتبدّى جوهر المعركة الحقيقية: القطبية. فهي ليست شعاراً نظرياً، بل تمثل قلب النزاع، إذ ترفض الولايات المتحدة التخلي عن تفردها، وتعتبر صعود أي قوة جديدة تهديداً مباشراً لأمنها القومي، سواء جاء هذا التهديد من منشأة نووية في عمق إيران، أو من قاعدة صاروخية في سوريا، أو من تحالف عابر لآسيا الوسطى.
ختاماً، الحرب بين إسرائيل وإيران ليست مجرد صراع بين دولتين، بل هي فصل في مسرحية أكبر تتنافس فيها القوى العظمى على من يكتب سيناريو النظام العالمي القادم. والولايات المتحدة، التي تقف خلف حليفتها، ووجهت يوم أمس ضربات إلى ثلاثة مواقع نووية إيرانية لا تخوض هذه الحرب من أجل تل أبيب وحدها، بل من أجل الحيلولة دون لحظة انتقال القوة إلى نظام عالمي لا تحتكره. فطالما أن مشروع الهيمنة لم يُقبر بعد، فإن النيران ستظل مشتعلة تحت ركام العالم القديم.

* باحث في الشؤون الأمنية

عن الكاتب

باحث متخصص في القضايا الأمنية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"