يونس السيد
لا يبدو أن دعوة نتنياهو المفاجئة، مؤخراً، لتسريع المفاوضات حول التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإبرام صفقة تبادل للأسرى، جادة إلى الحد الذي يمكن معه التعويل على وجود إمكانية حقيقية لإبرام اتفاق، بقدر ما تشي بالكثير من المناورة لتضليل المجتمع الدولي على الرغم من الجهود التي يبذلها الوسطاء.
من حيث المبدأ، لم يحدث أن طلب نتنياهو تسريع مفاوضات الهدنة بناء على ما يدعيه من «تقدم» غير موجود، بقدر ما كان يعمل دائماً على عرقلة المفاوضات حتى بوجود «تقدم حقيقي»، بذريعة تحقيق أهداف الحرب التي لم تتحقق طوال نحو عشرين شهراً. لكن الأهم، وإن لم يقل ذلك صراحة، هو ربط ما يحدث في قطاع غزة بالتطورات على الجبهة الإيرانية، من حيث قطع الطريق على الأصوات الداخلية والخارجية التي لا تزال تدعو إلى إنهاء الحرب وإبرام صفقة تبادل وإدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع الذين يعيشون مجاعة حقيقية وكارثة إنسانية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً بعد أكثر من مئة يوم من الإغلاق المحكم والحصار المتواصل.
وأيضاً لاعتبارات عملياتية تقتضيها ظروف الحرب الجديدة الناشئة، ومنها، على سبيل المثال، سحب جزء من القوات الإسرائيلية العاملة في القطاع ونشرها على جبهات أخرى بما في ذلك الضفة الغربية تحسباً لأي احتمالات طارئة. وبالتالي لم نر أي تحرك فعلي يتبع دعوته لتسريع المفاوضات بإرسال وفده المفاوض، سواء إلى الدوحة أو القاهرة، لمواكبة «التقدم» المزعوم، من دون أن يعني ذلك توقف جهود الوسطاء ومحاولاتهم الحثيثة للوصول إلى نتيجة إيجابية. وكل ما رأيناه هو تفاقم حجم الكارثة الإنسانية وتعمق المجاعة واتساع حجم المقتلة التي تزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً بين الجياع الذين يذهبون بأقدامهم إلى الموت عند نقاط توزيع المساعدات لأنهم لا يملكون خياراً آخر.
يدرك نتنياهو أن الحرب على غزة لم تعد أولوية أو أنها تراجعت عن سلم اهتمامات المجتمع الدولي لصالح الحرب المتفجرة مع إيران، والتي لا يعرف ما إذا كانت ستنتهي خلال أيام أو أسابيع، أو أنها ستكون مفتوحة. وبالتالي فإن تصريحاته حول تسريع المفاوضات تشير إلى واحد من أمرين، إما أنه يناور ويراوغ لكسب الوقت وتخفيف الضغوط الداخلية والدولية التي ستتصاعد، بالتأكيد، جراء الحالة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة والتي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، وإما أنه يريد تهدئة جبهة غزة والتفرغ لمواجهة الجبهة الإيرانية وحشد كل الإمكانيات المتاحة لها بعد التصعيد الإيراني، ربما غير المتوقع، تجاه ما يسمى الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
في كل الأحوال، تبرز وسط كل السيناريوهات المحتملة، حقيقة أن ما يحدث في قطاع غزة، بات يتأثر حتماً بالنتائج التي ستسفر عنها المواجهة مع إيران، إن على صعيد التسوية أو استمرار الحرب حتى إشعار آخر ما لم يتدخل المجتمع الدولي بكل قوة لوضع حد لها.