التطابق في الاستراتيجيات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من المعلوم بالضرورة في ممارساتهما السياسية، وإن تغيرت الأسماء المهيمنة على القرار في البلدين، وإن تفرقت بهما السبل في معالجاتهما لبعض الملفات، فالتباين غالباً ما يكون شكلياً أو بعيداً عن التفاصيل والمشتركات الجوهرية، وفي قلبها السعي إلى الهيمنة.
وربما تكون الأحداث الجارية في المنطقة دليلاً جديداً على هذا التطابق، على الأقل منذ بدء حرب غزة، وصولاً إلى التهور في التعامل مع الملف الإيراني الذي تتوالى تجلياته الخطرة، ولا يعلم أحد مداها.
ليس التطابق فقط، في ما يخص موضوع إيران، في الهدف المرحلي المعلن من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو القضاء على البرنامج النووي الإيراني، ففي خضم الموقف المتدهور في المنطقة يمرر الطرفان الأمريكي والإسرائيلي رسائل قد لا يتيح تسارع الأحداث الوقوف عندها ملياً، رغم ما فيها من دلائل على تجدد النوايا على العبث بخريطة المنطقة والعالم.
حين أثنى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، على ما اعتبره قراراً أمريكياً جريئاً بضرب المنشآت النووية الإيرانية، قال، شاكراً الرئيس الأمريكي، إن هذه الخطوة ستغيّر التاريخ، لأنها تفرض «منعطفاً تاريخياً من شأنه أن يُسهم في قيادة الشرق الأوسط وما بعده إلى مستقبل من الرخاء والسلام».
التغيير فكرة حاكمة في النهج المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي زعم أحد مسؤوليها أن العالم أصبح أفضل بعد ضرب إيران، ولم يكن مضى على الاستهداف الأمريكي للمنشآت الإيرانية ساعات. ورغم ذلك، فإن نتنياهو هو الأكثر هوساً بمفردة التغيير، سواء كان يقصد التاريخ، أو العالم، أو منطقة الشرق الأوسط، كما يظهر في تصريحاته الكاشفة للكثير.
إن الطرفين الأمريكي والإسرائيلي يشتركان في تفسيرات متفردة للمفردات، فالسلام لا يبدأ عندهما بالتفاهم والحوار والمحاولات الدبلوماسية، بل يعني اللجوء المباشر إلى القوة ووضع كل الأطراف في زاوية القلق والتحذير من الآتي.
والتغيير يعني المغامرة التي تطيح بأسس العلاقات الدولية وتوسّع وتائر العنف والانتقام بوهم أن ذلك يعيد تشكيل الخرائط ومراكز القوة في المنطقة والعالم على خلاف ما يرى كل العقلاء.
السعي الواضح إلى التغيير والترويج له في خطاب بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي يعنيان إحياء خطط جديدة لتشكيل المنطقة والعالم، وأن المبررات التي تحكم التصرفات الأمريكية والإسرائيلية في ملفات الشرق الأوسط الرئيسية، حتى إن صحّ بعضها، هي غطاء لجراحات غير ضرورية لتغييب وجوه سياسية أو صناعة أخرى، وفرض خرائط تزيد الأمور اشتعالاً.
إن كان العالم بحاجة إلى التغيير، فليس الحل في المفهوم الأمريكي الإسرائيلي له وهو يخاصم الدعوات المنطلقة من كل مكان إلى التحلي بالحكمة والاستماع إلى مقاربات الآخرين، خاصة في المنطقة، بشأن أزماتها المزمنة أو الحديثة التي لن تُحسم بحروب، أو إشعال ساحات إضافية تبدد آمال الاستقرار ورغبة الشعوب في عالم خال من التوتر والصراعات.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







