الأمن والأمان.. قانون إماراتي

00:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

خالد راشد الزيودي*

في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتوالى التحديات وتتبدل التوازنات الجيوسياسية بسرعة لافتة، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة رسم مسارها الخاص بثبات واتزان. مسار يرتكز على الحكمة في اتخاذ القرار، والاعتدال في التوجه، والوضوح في الرؤية. لم تُبنَ هذه الصورة بين يوم وليلة، ولم تأتِ نتيجة لحظة طارئة، بل هي خلاصة عمل دؤوب ومسار طويل من البناء الداخلي، والثقة في المؤسسات، والالتزام بمبادئ واضحة في السياسة الخارجية.
ولهذا يقال كثيراً إن «الأمن والأمان قانون إماراتي»، ليس بمعناه القانوني الضيق، بل بوصفه فلسفة وطنية وواقعاً ملموساً في الحياة اليومية.
لقد اختارت الإمارات، منذ تأسيس الاتحاد، أن تجعل من الاستقرار حجر الزاوية في مشروعها الوطني. وتحوّل هذا الخيار إلى أسلوب حياة يعكسه مشهد الشارع، وتؤكده نتائج التنمية، وتثبته تقارير المؤشرات الدولية. لا يتعلق الأمر فقط بالأمن المادي أو البنية التحتية المتطورة، بل أيضاً بالإحساس الجمعي لدى المواطنين والمقيمين بأن الدولة تعمل بروح مسؤولة لضمان بيئة مستقرة، مزدهرة، ومتزنة.
وفي الأيام القليلة الماضية، وبينما ارتفعت نبرة التوتر في عدد من الملفات الإقليمية الحساسة، وأُعلن عن عمليات عسكرية وتصعيد متبادل بين أطراف إقليمية، كانت الأنظار تترقب مواقف الدول الفاعلة في المنطقة. وفي هذا السياق، برز الموقف الإماراتي كامتداد طبيعي لنهجها الثابت، حيث صدر بيان عن وزارة الخارجية عبّر عن قلق الدولة البالغ إزاء تطورات الأوضاع، ودعا إلى الوقف الفوري للتصعيد، وضبط النفس، وتغليب منطق الحوار، والالتزام بمبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
وقد جاء هذا البيان في أعقاب ما شهدته المنطقة من عمليات عسكرية متبادلة بين إسرائيل وإيران، شملت ضربات جوية طالت منشآت حساسة، وتهديدات مباشرة للملاحة البحرية في الخليج العربي. وهو ما أثار مخاوف مشروعة من تداعيات محتملة قد تمس استقرار الإقليم برمّته. في هذا السياق، جاء الموقف الإماراتي ليؤكد من جديد التزام الدولة بدور بنّاء يسعى إلى تهدئة التوترات، ودعم الجهود الدبلوماسية، والحفاظ على المسارات السلمية.
وفي السياق نفسه، أكد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السموّ رئيس الدولة، أن الإمارات تواصل نهجها الثابت ك«صوت العقل» وركيزة للاستقرار والسلام والازدهار، رغم ما تشهده المنطقة من ظروف إقليمية استثنائية. وقال في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي على منصة «إكس»: «في ظل هذه الظروف الإقليمية الاستثنائية، ثقتنا مطلقة في حكمة قيادتنا، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، في توجيه الدفة ببصيرة وثبات». وأضاف: «إن دولة الإمارات ستظل صوت العقل في المنطقة، متمسكة بدورها المحوري في تعزيز الاستقرار والسلام والازدهار».
هذا النوع من المواقف لا يُقرأ في سياق اللحظة فحسب، بل يعكس سياسة خارجية متوازنة تراكمت عبر عقود. سياسة ترى أن الاستقرار ليس خياراً ثانوياً، بل ضرورة لتحقيق التنمية. وقد أدركت الإمارات مبكراً أن الأزمات الإقليمية لا يمكن حلّها إلا عبر الحوار، وأن التصعيد المستمر لا يخدم أحداً، بل يؤخر فرص الحلول ويُعقّد المسارات.
البيان الإماراتي لم يأتِ بلغة تقليدية أو تعبير دبلوماسي روتيني، بل تضمّن دعوة واضحة إلى مجلس الأمن الدولي لتحمّل مسؤولياته، بما يتناسب مع خطورة الموقف وتهديده المباشر للسلم الإقليمي والدولي. هذه اللغة تعكس ثقة الدولة في النظام الدولي، وإيمانها بدور المؤسسات متعددة الأطراف في احتواء الأزمات، وإيجاد أطر متوازنة لحل الخلافات.
ما يميز التجربة الإماراتية في هذا السياق أنها لا تكتفي بطرح مواقف متزنة، بل تُفعّلها عبر أدواتها السياسية والدبلوماسية. فهي دولة تملك شبكة علاقات متينة، وتُعرف بمبادراتها الإنسانية والتنموية، وبمواقفها الداعية إلى السلام والتعاون، في مختلف الملفات، ومن دون استثناء.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه ردود الأفعال الإقليمية والدولية، وتتشكل المواقف تحت وطأة الاستقطابات، تبقى الإمارات متمسكة بثوابتها، تحرص على التوازن في خطابها، وعلى الموضوعية في مواقفها، وعلى الابتعاد عن الانفعالات. ولهذا السبب، تحظى بدور مهم في كثير من المحافل، وينظر إليها باعتبارها طرفاً يسعى إلى خفض التوتر وتسهيل فرص التفاهم.
وبينما تتابع شعوب المنطقة أخبار التصعيد بقلق مشروع، يقدّم النموذج الإماراتي رسالة طمأنينة تقول إن الاستقرار لا يتحقق بالكلام، بل بالفعل، ولا يكون دائماً نتيجة الظروف، بل هو نتيجة اختيارات واعية، وخيارات تبنى على العقل، وتُراهن على المستقبل. في الإمارات، الأمن منظومة متكاملة تعكس جدية الدولة في بناء بيئة إنسانية آمنة، ومجتمع حيوي، واقتصاد منفتح على العالم، و«الأمن والأمان» خيارٌ استراتيجي في عالم تتغير ملامحه بسرعة.
إنها رسالة تؤمن بأن التنمية لا تزدهر في بيئة مضطربة، وأن مستقبل الأجيال لا يُبنى على صدى الأزمات، بل على أرضية من الطمأنينة والثقة والانفتاح الواعي. وفي كل محطة إقليمية حرجة، تثبت الإمارات العربية المتحدة أنها لا تنتظر الظروف لتحدد موقفها، بل تتحرك من منطلقات ثابتة، إنها دولة تصغي لصوت العقل، وتتمسك بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه محيطها، وتُقدّر قيمة الكلمة المتزنة حين يكون الضجيج هو اللغة السائدة.

[email protected]*باحث دكتوراه في إدارة الأزمات والمخاطر

عن الكاتب

متخصص في إدارة الأزمات والمخاطر

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"