د. عمرو منصور*
ما إن تدخل من بوابة معرض بكين الدولي للكتاب حتى تتوقف بشكل لا إرادي أمام البيت الإماراتي، إذ سوف يشد انتباهك دقة التنظيم وروعة التصميم، ويجذبك الحضور الكبير للزوار الصينيين والأجانب، حتى أنه لا يوجد حرفياً داخل الجناح مكان لموطئ قدم.
جناح دولة الإمارات العربية المتحدة في المعرض الذي يأتي تحت رعاية سفارة الدولة في الصين، وإشراف وزارة الثقافة، ضم 13 هيئة حكومية وجامعة ومراكز بحثية ودار نشر خاصة للأطفال، كان عامراً بالفعاليات ومناقشة الموضوعات السياسية والثقافية والفنية والتكنولوجية، بعضها خاص بالعلاقات الصينية الإماراتية والعربية، وبعضها تناول قضايا دولية، منها إشكاليات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، كما كان للأطفال الصينيين والإماراتيين نصيبهم من الاهتمام والأنشطة الغنائية والفنية المشتركة بينهم.
وكان من أبرز المتحدثين الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، وسعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي للمركز وإيمان البريكي الباحثة في الأرشيف الوطني، وكوكبة من كبار أساتذة اللغة العربية الصينيين، من بينهم البروفيسور «بسام» شوي تشينغ قوه مدير مركز الشيخ زايد لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، والبروفيسور «عامر» لين فون مين أستاذ اللغة العربية في جامعة بكين، والبروفيسور «خليل» ليو لين الأستاذ في جامعة بكين للغات والثقافة، بجانب البروفيسور «رزان» تشين جينغ، أستاذة اللغة العربية والترجمة في جامعة بكين للغات والثقافة، وأ. مها رئيسة تحرير الطبعة العربية من مجلة الصين اليوم، ود. طه المدير الإقليمي للمجلة في الشرق الأوسط.
في لحظة ما شعرت من كثافة الفعاليات، وتدفق الآراء أننا في سباق مع الزمن والأفكار، فمعظم ما يطرح في دقائق معدودة مثير للشغف، ومعظم ما يُتوافق عليه بين المتحدثين والمتابعين مجدد للأمل، فهي لم تكن مجرد فعاليات «بروتوكولية» لمجرد القول بأن الجناح نظم بعض الفعاليات. بالإضافة إلى ذلك، كانت أيضاً فرصة للقاء نخبة من المفكرين والمبدعين والأدباء، والتواصل في ما بينهم ومع جمهورهم.
وخطف الأنظار الخطاط الصيني الشهير «قلم الدين»، فالتف حوله الزوار الصينيون لمشاهدة كتاباته الفنية البديعة بالخط العربي، وتنافسوا على الطلب منه كتابة أسمائهم بالخطين الصيني والعربي، والاستماع إلى تجربته مع اللغة العربية.
أما معروضات الكتب فجاءت في مقدمتها سيرة الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأفكاره، وإنجازات القيادة الحالية برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وبعض الكتب الأخرى التي عبرت عن تاريخ دولة الإمارات وحضارتها، فضلاً عن تناولها القضايا الدولية والإقليمية السياسية والاقتصادية الراهنة.
ولفت انتباهي الروح الودية الكبيرة لكل ممثلي الجهات المشاركة في الجناح الإماراتي، التي أضفت أجواء من البهجة والألفة، واستقطبت الزوار الصينيين فأصبحوا أكثر حماسة للتعرف أكثر على المجتمع الإماراتي، والثقافة العربية عبر إطلالتهم من نافذة البيت الإماراتي، الذي قدم لضيوفه الكرام ضيافة عربية شهية من تمر وقهوة وحلويات شرقية، وفي الخلفية كانت تتردد أنغام مزيج من الموسيقى الإماراتية والصينية الكلاسيكية.
البيت الإماراتي حمل إلى بكين رسالة أنه جاء ليصنع «حالة» سيتذكر الصينيون تفاصيلها جيداً، وستبقى في وجدانهم أمداً طويلاً، ففي ساعات وأيام خلال المعرض وجدوا أنفسهم كأنهم عاشوا بين الإماراتيين لسنوات، ولمسوا في الإنسانية وطناً للشعبين وللجميع، واكتشفوا أن هناك الكثير الذي يجمع الصين والإمارات.
[email protected]*باحث سياسي في الشؤون الصينية