تمرين على النضج

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

أستطيع القول بأن مرحلة ما قبل الشباب، أو ما يسمى بالمراهقة، والتي هي وسط الطفولة والشباب، مرحلة تشبه الانفجار الداخلي، يبدأ فيها المراهق ببناء هويته وطريقة تفكيره وأولوياته، ويحاول الاستقلال، ومعها تكثر الأسئلة والحيرة والتردد، فهو مندفع، لكنه دون خبرة ولا معرفة.
من هنا، يظهر دور حيوي ومهم لكل أب وأم، ولكل معلم ومرب، يتعلق بتعزيز الثقة في نفس المراهق، بل ومنحه مساحة للتفكير واتخاذ القرار، وهذا المنهج ضرورة يحتاج إليها المراهق، وعدم تلبيتها يعني التصادم معه.
وقد توصلت البحوث والدراسات في هذا المضمار إلى أن منح المراهق فرصة لاتخاذ قرارات غير مصيرية أو غير مؤذية، يعد ممارسة فعالة في بناء الشخصية السوية الصحية للمراهق. من بين تلك الدراسات، توجد دراسة فنلندية نشرت في عام 2022 من جامعة هلسنكي، تناولت التخطيط الذاتي لدى المراهقين، وقد أجريت على عدد من الطلاب، ووجدت أن «أي تجربة ذاتية، ولو بسيطة، كاختيار اللباس أو ترتيب الأوقات، توفر للمراهقين مساحة لتجربة المسؤولية، ما يدعم شعورهم بالكفاءة والقدرة على اتخاذ القرار، شرط أن تتاح لهم مساحة للحوار والتخفيف عند الخطأ».
وقد توصل العلماء إلى أن منح المراهق بعض المسؤولية والاستقلالية يعزز لديه ما تمت تسميته «الكفاءة الذاتية» وهي الشعور بالقدرة على مواجهة الحياة، وهذه تعتبر عنصراً أساسياً في نمو الثقة بالنفس.
ومن خلال الخبرة الحياتية، بات يعرف أن المراهق الذي يسمح له بالخطأ والتعلم، ينعكس ذلك إيجاباً على مجمل حياته عندما يكبر، حيث يكون أكثر وعياً ومعرفة، وقدرة على مواجهة التحديات والظروف الحياتية المتنوعة.
لذا، من المهم على الآباء والمربين والمعلمين، الموازنة خلال التعامل مع المراهق، حيث يتم منحه الاستقلالية التي يحتاج إليها وفي اللحظة نفسها عدم التخلي عن التوجيه والإرشاد بأسلوب خفيف وغير مباشر، بمعنى التحول من الأمر إلى الإرشاد، وفتح المجال للنقاش والحوار في جو وبيئة صحيين بعيداً عن الغضب والتوتر، وأيضاً الابتعاد عن المخاوف التي تراود البعض من الآباء من فقدان السيطرة. وبقدر ما ينتاب القلق الآباء عند مرور أبنائهم بهذه المرحلة العمرية، فإنها تعتبر فرصة ذهبية لبناء إنسان قوي واثق من نفسه، يملك القدرة على اتخاذ القرارات، وأن يرسم له مستقبلاً أكثر تفوقاً وتميزاً.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"