هل تتابع الأحداث على شاشات الفضائيات، مثلما تفعل مع المسلسلات؟ لك ذلك، لولا أنّ حلقات الحادثات أزرى طولها بمسلسل «داينستي» و«دالاس»، بل إن ما لا يكترث له الناس إلاّ لماماً، بالرغم من أنه أقرب إلى وجودهم من حبل الوريد، هو أكثر حلقات حتى من «الضوء الهادي» (ذي غايدينغ لايت)، الذي استمرّ عرضه اثنين وسبعين عاماً. ما نشاهده حلقات لها تاريخ بعيد، سوى أن المنطقة لا يبدو أن أحداً سيأتيها بقبس، أو تجد على نيران الوقائع ضوءاً هادياً، إلاّ ما تذود به كل دولة عن حِماها من قوة صلبة، وما تتحلّى به من قوة ناعمة.
لا تشغل البال بما قد يعكّر صفوك، كأن تتوغّل في التنقيب عن أسباب عدم وجود أيّ آثار تدلّ على أن المثقفين العرب، طوال الخمسين سنة الماضية، من 1975، مثلاً، فكّروا ورسموا تصوّرات لمنظومة القيم المستمدّة من الثقافة العربية، في أزمنة السلام، والعمل على تحقيق السلام، ومنظومة القيم النابعة من ميراثنا الثقافي، للحفاظ على مقوّمات الهوية والشخصية، في زمن المخاطر. أين يكمن الخلل؟ ببساطة، يجب عدم المبالغة كالقول إن المثقفين أوكلوا المسؤوليّة إلى المنظمة العربية الأمّ، أو غيرها، وألقوا حبل القضايا المصيرية على الغارب.
غير مُجدٍ أيضاً في الاعتقاد الآن، أن يتذرّع المثقفون بأن المأساة قرونيّة، فمنذ القرن الثالث الهجري أو الرابع، ظهرت أساليب وضع الفكر في قفص الاتهام، واستمرت حتى تراجيديا ابن رشد. وبعده بأكثر من سبعة قرون من الجدب الفكري والفلسفي في الثقافة العربية، بشّرت الأحزاب الأمّة بأنها ستنوب عنها في تشغيل الأمخاخ وإنتاج الأفكار. النتيجة لم تكن مفاجئة، فبعد عقود عدّة من تجريد الأدمغة من وظيفة التفكير، تفقد القدرة على أداء المهمّة. البيولوجيون يقولون: «الوظيفة تخلق العضو». ذلك شبيه بمركز النوم في الدماغ، الذي يكفّ عن إفراز المورفين الحميد الذي يجلب الكرى، عندما ينهال عليه الشخص يومياً بأقراص المنوّمات.
منظومة القيم الثقافيّة في زمن الأزمات والرمال الجيوسياسيّة المتحرّكة، يمكن إيجازها في: لا تكوننّ فريسةً أو لقمةً سائغةً. وطنك أمانة، ترابك السيادي رمز سيادتك، شعبك وأمّتك عزتك وشموخك، ومصدر طاقة روحك وطموحك. وحتى لا ننسى همزة الوصل بين الثقافة والتعليم، هذه القيم تزرع منذ الحضانة، فلا يقال: «شاب، ودّوه للكتّاب».
لزوم ما يلزم: النتيجة النشيدية: منذ الحضانة يشمخ الطفل: «سقف بيتي حديدْ.. ركن بيتي حجرْ.. فاقصفي يا رعودْ.. لست أخشى الخطرْ». سقف وطنك سقف بيتك يا عزيزي.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







