ثرثرة على خطوط الهزّات

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا يفعل الناس عندما تكون مواقعهم الجغرافية، واقعةً على خطوط الزلازل؟ بنو آدم غير متساوين في مواجهة التحدّي والاستجابة، حتى حين تكون عبارة «مواجهة التحديات»، وِرداً يجري على ألسنتهم ليل نهار. لكن جرت العادة في أغلبية القارّات، على ترك ما سيكون أن يكون. وكما لم يقل الشاعر: «دعِ الزلزال يفعل ما يشاءُ.. ولا تهرب إذا انهار البناءُ». في المكسيك، إيطاليا، تركيا... في الكوارث الطبيعية، لا يتحرك لأهل الديار ساكن، إذا باتت المدن صرحاً من خيال فهوى.
لكل قاعدة استثناء. أهل الشرق الأقصى في اليابان والصين وكوريا... من سالف العصر والأوان، أقاموا بيوتاً من خشب، ولهم في العمارة بالصخور والحجارة والمرمر، فنون. الأدمغة اليقظة تطوّر استراتيجيات مواجهة التحديات. اليابانيون صاروا أبرع الأرضيين في البنيان المقاوم للزلازل.
ألا ترى أن القلم أساء استغلال حِلم القارئ الفطن اللبيب دائماً، فالموضوع الذي اتفقنا عليه، هو: كيف يتسنى للعالم العربي تحويل الغصص إلى فرص، والنوائب إلى مكاسب، والحادثات إلى تحديثات، والأغلال إلى غلال؟ لحسن حظ المنطقة والعالم، لم تتطوّر الأزمة إلى ما لا تحمد عقباه. لكن، ما هي أهمّ العبر، التي يجب استخلاصها والبناء عليها، لضمان الأمن والاستقرار، والاستعداد لكل طارئ وطارق. لقد أيقن العرب جميعاً، أن خريطتنا الكبرى، بلا استثناء، واقعة على خطوط هزات وزلازل لا تعرف الهدأة والهوادة.
قبل أيّ حساب وتحليل، لا شك في أن العقلاء يدركون أن المنطق لا أهمية له في الدواهي. تداعيات أحجار الدومينو العربية، في العراق، ليبيا، سوريا وغيرها، كانت كلها في ظاهرها منطقية، كانت الأسباب تلوح دلائلها واستدلالاتها مقنعةً، بمجلدات من براهين المجتمع الدولي الممسك بخناق القانون الدولي، إلى أن لفظ نفسه الأخير. تلك البلدان وغيرها، أدخلوها غرفة العمليات، فتحوا بطونها، خرجوا وتركوها فريسةً لكل أنواع البكتيريا والفيروسات. حتى الساعة والمناعة ممنوعة عنها.
الآن على العالم العربي أن يوقن أن أمّ العبر، والمبتدأ والخبر، هي أن التنمية الشاملة، تظل هشّة إذا لم يكن الأمن القومي قوّاماً عليها وقوامها. إذا تصوّر أحد أن الأمن القومي يمكن أن يتجزأ إلى اثنين وعشرين «أنا أوّلاً»، فقد ظنّ السراب ماءً. ذلك ممكن في حالة واحدة: أن يُخرج العرب فكرة العالم العربي من رؤوسهم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاتحادية: أليس غريباً أن تكون البلدان العربية، كالعيس في البيداء الجيوسياسية، يرهقها التشتت، وماء نموذج اتحاد الإمارات ينساب أمامها زلالاً؟ نصف قرن والدولة لا تقنع بما دون النجوم.

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"