«ارهف ويد.. واغلظ وعد» ليست كلمات أحجية، ومن يفهمها يعتبر نفسه خبيراً بالزراعة، فهي تعني نصيحة قديمة متداولة بين الأهالي، وتفسيرها: ارهف يعني باعد المسافة حين تزرع النخيل لتنعم بالثمار الكثيفة العذوق، ويد أي احصد العذوق الكثيفة، واغلظ أي قرب المسافة بين النخيل واكسب العدد فقط، وكانت النخلة في الزمان القديم تحدثهم مجازاً وتقول «أبعدها عني وخذ ثمرها مني»، أي باعد بينها وبين قرينتها النخلة واكسب ثمار نخلتين، تشديداً لأهمية المحافظة على المسافة بين الزرع.
وذلك الموروث الشعبي العميق بمعانيه، لابد أن يدرس لتتوارثه الأجيال، وارتباطنا بالنخلة عميق من لحظة وجودنا على أرضنا الطيبة، والكثير من المقولات الشعبية تتعلق بالنخلة، كيف لا وهي «عمتنا» والقول المأثور «أكرموا عمتكم النخلة»، والقول «الأصل في النخلة والسخلة»، الذي يرد حين يتم النقاش على أصل وفصل الشخص فيأتي الرد مفحماً ليختتم النقاش به.
والزراعة مهارة وحرفة وتعطي ارتياحاً كبيراً لمن تتاح له الفرصة لتجربتها، ومهارة مطلوبة خاصة للطلبة في وقت فراغهم؛ فهي تعمق من ارتباطهم بأرضهم وتربتها وتضيف لهم معرفة قيمة بأنواع النخيل والثمار، وفرصة ثمينة لا تنسى في عمرهم الغض، وتقلل في الوقت نفسه من ارتباطهم بالأجهزة الإلكترونية، وتنوع معرفتهم بالأعمال المهنية الأصيلة.
وجيد لو نظمت الجهات المختصة بالبيئة والزراعة دورات تدريبية صيفية متخصصة بالزراعة يقف عليها كبار المواطنين الخبراء بالزراعة وكل ما يتعلق بها، منها نوثق ارتباط الأجيال ونزيد من احتكاكهم بالكبار، ومنها نحافظ على إرثنا وارتباطنا الحضاري والثقافي بالزراعة، وتستمر مسيرة التنمية المستدامة ونحن متشبثون بأرضنا وتربتها، ومنها كذلك نعرف الأجيال الحالية على الطرق القديمة والحديثة، خاصة التي أبدع فيها المهندسون الإماراتيون الشباب والمخضرمون في قطاع الزراعة لتمتد ثروتنا الوطنية وتضاهي أفضل الممارسات العالمية في الحفاظ على البيئة واغتنام الموارد والتغلب على التحديات التي تواجهها.
فاليوم نزرع ونثقف وغداً نجني ثروة زراعية ومخزوناً إرثياً مستداماً، وحين يقال «ارهف ويد» ويفهمها المتلقي، حينها نتيقن من أنه امتلك كلمة السر، وسيتمكن من فتح مخازن تربتنا الغالية بها وبغيرها من التوجيهات التي تلقاها من كبار المواطنين، لننعم بزراعة مستدامة وثمار يانعة في مواسمها.
مقالات أخرى للكاتب