الطيران والإنسان

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

السفر.. هل هو حالة مستجدة في حياة البشر؟ رغبة غير ضرورية؟ متعة ملحة؟ قرار للهروب فقط؟ حالة فراغ تستدعي الملء؟ كماليات أم ضرورة؟
السفر ضرورة وليس حالة كمالية دائماً، لقد جبل البشر منذ القدم على الترحال من أجل الاكتشاف، وإيجاد المأوى المناسب، والمأكل والمشرب، فضولنا لنعرف ما وراء الحدود، ومن يعيش هناك، وكيف هي الحالة الموجودة خلف الجبال، والوديان والسهول.. وفضول حرك الغزاة فسافروا وقطعوا البحار من أجل استعمار الشعوب وانتزاع ثرواتهم، وتغيير حياتهم، لتصبح نسخة منهم؛ أحياناً بالفرض وأحياناً في أسلوب راق ليغيروا حياتهم للأفضل... في كل التفاصيل وروايات التاريخ والقصص، يصبح للسفر لدي تعريف سهل: ضرورة، للاكتشاف، للتعارف، لنقل معارفنا، لاستفادة بعضنا من بعضنا، لنقل العلوم، وتطور البشرية، للاتصال وتأصيل العلاقات الإنسانية، للتعرف إلى أحوال البشر في أقاصي الأرض، وكيف أن الله خلقنا مختلفين، لكن الفطرة تجمعنا.
سافرت أخيراً، وكما قرأتم لدول أمريكا اللاتينية، بيرو وبوليفيا وكولومبيا؛ كانت نظرتي متجهة إلى عالم الطيران الذي أعرفه بتفاصيله، كنت كالمتفحص أرى في وجوه الأعداد الكبيرة المتنقلة داخلياً في مطارات هذه الدول، مطارات صغيرة، وبعضها ربما لا يتعدى حجم غرفة، الطائرة تقف تنزل الركاب، وفي أقل من نصف ساعه تنقل آخرين، في كل المدن التي وصل عددها إلى تسع.
كانت التجربة الأولى تجربة البشر أنفسهم، كيف تتعامل المطارات معهم، وكيف يقف الموظف أمام «الكاونتر»، ويكلمك، وكيف أن الطيران فيه من الإنسانية ما يجعل المسافر، منذ دخوله، إما يشعر بالأمان، أو بالخوف والامتعاض والتردد، ولربما الكره للمكان.
كانت مغامراتنا أحياناً مضحكة وأحياناً فيها من الخوف والتفكر الكثير، كنت أطالع وجوه الموظفين بعضهم سُمحاء لُطفاء وآخرون مزعجون ولا يحاولون حتى المساعدة، ربما لأن اللغة حاجز، لكن لا نختلف أن المشاعر والإنسانية تصلان وإن لم نتحدث اللغة نفسها.
في هذه الرحلة أيقنت كيف أن حكوماتنا لم تبن مطاراتنا، وشركات الطيران لدينا على منهج جامد، أو حدة أو حتى قسوة، بل نحمد الله أن كل موظف يستقبلنا، يبتسم، يبشّ ويحاول بأن يساعدك، ويشعرك بأن الأمور بخير، وأنك تستطيع الاعتماد عليه.
كل حركة في مطاراتنا أشبه برحلة سلسة، وإن أحس أحدهم في وقت ما بالخوف، فإنه لا يخاف أن يسأل أو يستفسر. موظفو الطيران وأنت في ساعات السفر القصيرة أو الطويلة يشعرونك بأنك مرحب بك، وبأن أي استفسار أو طلب واجب عليهم.
نحن في نعمة في عالم الطيران ومحظوظون بأننا من هذه المنطقة والدولة. والكل خارج الحدود يفخرون بنا ويشيدون بإنسانية طواقم طيراننا؛ فالحمد لله دائماً وأبداً.

[email protected]

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"