عادي
في شاعرية البصر

«النستعليق الجلي».. بهاء الحرف يزين الصورة

19:45 مساء
قراءة 3 دقائق
اللوحة

الشارقة: عثمان حسن

التجريب في ابتكار رؤى جديدة في اللوحات الخطية لا يتوقف عند حد، وفي كافة أنواع الخطوط المعروفة، ومنها الخط النستعليق الجلي، وهو خط فارسي أبدع فيه الفنانون الإيرانيون بشكل خاص، ثم انتشر هذا الخط ليصبح في متناول العديد من الفنانين العرب والمسلمين في كل مكان.
النستعليق، أو كما يطلق عليه البعض التعليق، هو من أجمل الخطوط، وهو مستمد من النسخ والتعليق، من هنا، جاءت تسميته بالنستعليق، وقد عرف هذا الخط قديماً قبل نحو 1000 عام، وتم تجويده على يدي مير علي التبريزي في القرن الرابع عشر، ثم بدأ استخدامه في المشرق الإسلامي والعربي.


من اللوحات الجميلة التي بين أيدينا واحدة للخطاط الإيراني أمير فلسفي، بالنستعليق الجلي، استخدم فيها الآية القرآنية «عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» المائدة-23، وهي آية تدعو إلى وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه في جميع أمور الدنيا والدين.
وأمير فلسفي هو فنان معروف يحرص على اختيار نصوص لوحاته من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ومن رباعيات الخيام، وأشعار حافظ الشيرازي، وغيرها، ويمتاز بحرفية عالية في إبداع هذا النوع من الخطوط، معتنياً بحجم الحرف ورمزية اللون، كما يحرص على الاستفادة من مميزات النستعليق الجلي وهي كثيرة.
*تكوين
أول ما يلفت الانتباه في هذه اللوحة هو احتواؤها على ثلاثة أجزاء أو عناصر رئيسية؛ حيث كتب الخطاط كلمة (الله) و (على)، بمفردهما، ثم كتب نص الآية كاملاً (على الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) وحرص فلسفي على أن يخط كلمتي على والله، بخط سميك وواضح وباللون الأسود على يسار اللوحة، وفي ذلك تأكيد على مآلات ومعاني التوكل التي هي بيد الله عز وجل، ومن يتأمل حرف العين في «على» يقف عند تقنيات كتابة هذا الحرف في النستعليق الجلي، الذي جاء مرسوماً، ومراعياً للانحناءات التي تنتهي في العادة على شكل انحناء كبير يشبه الكأس.
أما حرف الألف واللام المكررة مرتين في لفظ الجلالة «الله» فقد خطها أمير فلسفي ضمن قواعد النستعليق، على النحو الذي برز فيه حرف الألف ممدوداً بشكل طويل ورقيق، مع مسحة انسيابية عمودية وجمالية واضحة، في ما كان حرف اللام مميزاً بدوره فحرص فلسفي على أن يظهره بشكل منحن مع الحفاظ على توازن الخط ليعطي شكلاً جمالياً ورشيقاً، وقد حرص فلسفي أن يخط (على الله) بالخط النستعليق الكلاسيكي، أما الجهة اليمنى من اللوحة، فتضمنت كامل الآية، وجاءت بحجم أو سماكة أصغر، لا تخلو من الانسيابية والتوازن بين الحروف، مع اعتناء الخطاط بمسحة من الزخرفة الإسلامية، التي جاءت بلون هادئ أضفى على اللوحة جمالاً ورشاقة واضحة، من حيث المسافات بين الحروف والتوزيع المتقن للكلمات على سطح اللوحة.
وبشكل عام، فقد أجاد فلسفي في تكوين هذه اللوحة، من حيث رسم الحرف بارتفاعاته ومداته وتوازنه على السطر، ليترجم من خلال هذه اللوحة جماليات النستعليق الذي يطلق عليه لقب «عروس الخط»، وقد كان دقيقاً مع اتجاهات الخطوط الأفقية والرأسية، فظهرت اللوحة بخط جميل وجذاب لعين المشاهد.
ومن جهة ثانية، فقد جاءت الآية في داخل إطار من تدرجات اللون البني المائل إلى الصفرة ليضفي على المنظور العام للوحة رمزية خاصة بمسحة حيوية مبهجة للناظر، مما يضيف إلى تجربة هذا الفنان الشغوف بروح الفن الإسلامي وعالمه الشفيف.
*إضاءة
ولد الخطاط أمير أحمد فلسفي سنة 1959، ومنذ السابعة من عمره شغف باللوحات الخطية في الشوارع وعلى واجهات المباني، وعلى صفحات الكتب والمجلات والجرائد، غير أن بداياته الفعلية كانت على يدي معلمه الأول ابن بابائي، واستمر في هذه المسيرة في الفترة ما بين التاسعة والثامنة عشرة وهو يعايش فن الخط ويجري عليه تجاربه معتمداً على نفسه ومستنيراً بما أخذه عن أستاذه الأول. وهو اليوم عضو في جمعية الخطاطين الإيرانيين، يكتب خط التعليق الدقيق والجلي، شارك في معارض وملتقيات خطية كثيرة، تخللتها الكثير من التكريمات والجوائز.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"