ثقافة «سريعة التحضير»

23:41 مساء
قراءة دقيقتين

رضا السميحيين

من يتابع المشهد الثقافي اليوم، يدرك أن العلاقة بين الكاتب والناشر دخلت منعطفا جديدا، عنوانه الأبرزالتسويق ل«جيل Z» والمعروف أيضا باسم «المواطنين الرقميين»، وهو الجيل الذي ولد بين عامي 1997 و2012، ونشأ في حضن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح هدفا رئيسيا لدور النشر، التي باتت تنسج استراتيجياتها حول ما يجذب انتباهه، ولو كان ذلك على حساب جودة المحتوى في بعض الاحيان.
الجدلية التي فرضها هذا الواقع الجديد ليست سهلة، ولا يمكن اختزالها في حكم نقدي أو فني، فالناشر اليوم يجد نفسه أمام معادلة معقدة: كيف يوازن بين ضرورة تسويق الكتب لجيل Z الذي يستهلك المحتوى بسرعة ويبحث عن التجديد والحداثة، وبين الحفاظ على جودة المحتوى وعمقه الذي يشكل جوهر العمل الأدبي والفكري؟ ومن جهة أخرى، يواجه الكاتب تحديا مماثلا، إذ عليه أن يختار بين كتابة نصوص تلبي متطلبات السوق الحديث، أو التمسك بأسلوبه ورؤيته الإبداعية التي قد لا تلقى رواجا سريعا بين هذا الجيل.
لكن هذه التحولات لا تعني بالضرورة تراجعا في قيمة الكتب أو في دور الكاتب، وإنما هي تعكس واقعا جديدا يتطلب من الجميع، ناشرين وكتابا على حد سواء، إعادة صياغة أدواتهم وأساليبهم بما يتناسب مع متطلبات العصر، فالناشر الذي ينجح في فهم هذا الجيل سيجد فرصا أكبر لنشر أعمال ذات قيمة أدبية، إذا ما استطاع تقديمها بطريقة تتناغم مع اهتمامات القراء الجدد، والكاتب كذلك اذا حسم أمره لمواكبة هذا التغير، يمكنه أن يبتكر أشكالا جديدة من التعبير الأدبي والفكري، تجمع بين الأصالة والحداثة، بأسلوب يزاوج بين العمق والسهولة.
الضرورة اليوم هي أن نواكب هذا الجيل لا من باب التنازل عن معايير الجودة، لكن من منطلق فهم عميق لطبيعته واحتياجاته، فالتقنيات الحديثة ووسائل التواصل ليست عدوة للكتاب، بل يمكن أن تكون حلقة وصل تفتح آفاقاً جديدة للقراءة والكتابة، وهذا الامر يتطلب من الناشرين والكتّاب تطوير مهاراتهم الرقمية.
الواقع الذي فرضه «جيل Z» ليس أزمة بالمعنى التقليدي، بل هو تحدٍّ وفرصة في آن واحد، تحدٍّ لأننا أمام نمط جديد من القراءة يختلف عن السابق، و«فرصة» لأننا أمام إمكانية إعادة إحياء الكتابة والثقافة عبر أدوات وأساليب حديثة، المهم أن نتمسك بالجوهر، ونواكب الشكل المتطور.
خلاصة القول: مسؤولية الناشر تتجاوزعملية تسويق وبيع الكتب، فهو شريك اساسي في مهمة إعداد جيل قارئ واع ومثقف، أما الكاتب، فمسؤوليته أن يبقى قلمه ضمير المجتمع وصوت العقل، ومهما تعمق التوتر بين منطق السوق ومنطق النقد، وبين هذا وذاك، تبقى معركة الكتابة الحقيقية قائمة: معركة من أجل المعنى، لا من أجل الرقم.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"