كم مثله في الدنيا؟

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

فيما يُحكى من حكايا الجدّات أن طفلاً جاء إلى أمه وفي يده بيضة، وقدّمها لها فشكرته وأثنت عليه دون أي سؤال عن مصدر تلك البيضة، ثم أنه بعد مدة أتى وهو يقبض بين يديه على دجاجة قدّمها إلى أمه فقبّلت يديه شاكرة له داعية له بالتوفيق، وبعد فترة أخرى من الزمن أتاها بخروف، فلم تتوان عن تقبيل رأسه حامده شاكرة صنيعه وعطائه الذي لا ينقطع، وتمر الأيام ويكبر الفتى حتى دخل عليها وهو يقود جملاً، فهرعت تقبّل ما بين عينيه فخورة به وبصنيعه.
وتمر الأيام ويكبر الشاب وفي كل مراحل نموه لا تخلو يداه من شيء يأتي به إلى أمه، مما خف حمله وغلا ثمنه، والأم لا تكف عن الثناء على ولدها والدعاء له، حامدة شاكرة وجوده في حياتها، ثم وفي يوم من الأيام وهو يسرق أحد محال المجوهرات أمسك به الحارس في ذلك المحل، فقتله ذلك الشاب وأخذ ما أخذ محاولاً الفرار بغنيمته، لكن الحرس والعسس كانوا له بالمرصاد فتم إلقاء القبض عليه متلبساً بجريمة السرقة والقتل، وتم اقتياده إلى القاضي الذي وأمام الأدلة الواضحة أمامه أمر بأخذ القصاص منه وإعدامه.
وكما هو متعارف عليه في المحكوم عليه بالإعدام يتم سؤاله عن أمنيته الأخيرة، وحينما سأل ذلك الشاب هذا السؤال طلب أن يرى أمه ليقبل رأسها ولسانها، وحينما جيء بالأم وهي دامعة العين مفطورة الفؤاد، دموعها تجري مدراراً على ولدها الذي ستفقده، تقدم إليها الولد وقال لها أريد أن أقبل رأسك ولسانك، فطأطأت رأسها فقبله وهي مطمئنة ثم أخرجت لسانها ليقبله، فسارع الشاب بقضمه بأسنانه بكل ما أوتي من قوة قاطعاً لسانها، تاركاً امه في صدمتها والدماء تغطيها، والقاضي يسأله عن بشاعة صنيعه، فردّ عليه الشاب بكل حزن وأسف، حينما كنت طفلاً سرقت بيضة ثم دجاجة ثم خروفاً ثم جملاً ثم ما طاب ولذ وخف حمله وغلا ثمنه، وفي كل مرة تثني على صنيعي وتبارك وتدعو لي، ولو كانت نهرتني، وسألت عن مصدر كل ما جئتها به، ونصحتني ومنعتني لما كنت الآن أمامكم أواجه الموت.
تلك هي قصة من القصص التي كانت الجدّات يوجّهن بها أبناءهن وبناتهن لينشروا الفضيلة ويدفعوا إليها في قلوبهم ومسيرة حياتهم.
يا ترى كم واحد من مثل هذا الطفل حدث له ما حدث، سواء من أمه أو من أبيه، أو وهو شاب من أصحابه أو جهة عمله أو المسؤولين عنه؟
كم مثله في الدنيا.

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"