أحمد بن عبد العزيز المبارك.. وعي وثقافة وقضاء

عطاؤه تواصل حتى رحيله في 1988
00:56 صباحا
قراءة 6 دقائق
الشارقة:«الخليج»

ولد الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك «رحمه الله»، في العام 1910، في أسرة عُرفت بتوارث أبنائها علوم الدين والقضاء، ليكمل عقد سلسلة مشرقة في تاريخ القضاء في إمارة أبوظبي، حيث تتلمذ على يد والده، الذي ربطته علاقة قوية بالمغفور له الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان، المعروف بزايد الأول، وكان أحد رجال القضاء المعروفين في المنطقة.

وبعد تلقيه العلم في مختلف المواد في صغره، اتجه إلى مهنة التعليم مبكراً، واستمر في مهنته تلك، إضافة إلى ممارسته مهنة القضاء، إلى أن عيّنه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيساً لدائرة القضاء الشرعي في إمارة أبوظبي، في العام 1969، حيث ساهم في تأسيس القضاء الشرعي في الإمارة، كما ساهم في بناء مجمع المحاكم الشرعية التابعة لها، ثم عيّن بعد قيام الاتحاد مستشاراً شرعياً في الدولة، وقد ساهم خلال فترة عمله في هذا المجال في ترسيخ أهمية العلم والدين في دولة الإمارات العربية المتحدة، سواء من خلال أحاديثه التلفزيونية والإذاعية، أو من خلال تعليمه العديد من الأشخاص، أو من خلال مؤلفاته التي كان لها دور كبير في بث الوعي والثقافة، حيث ألّف العديد من الكتب والمراجع في علوم الفقه والقضاء.
مثّل الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك أيضاً إمارة أبوظبي، في العديد من المؤتمرات العالمية ذات الطابع العلمي والديني، لعل من أهمها مؤتمر الحوار بين الأديان، كما كان عضواً في عدد من المجمعات البحثية العالمية، منها ما كان متعلقاً بالحضارة الإسلامية، وظل الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك مستمراً في عطائه، إلى أن توفى في العام 1988 م، تاركاً وراءه سيرة عطرة لشخصية قدمت صورة متزنة وحقيقية عن روح الإسلام التي تدعو إلى السلام والتسامح.

نسبه ومولده:

هو العالم الجليل والقاضي الذي بذل جهده لنصرة الإسلام الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن حمد بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك، ولد بالأحساء عام 1326ه، وهو مالكي المذهب، تميمي النسب.

دراسته التعليمية

بدأت دراسته التعليمية بالأحساء، وتلقى علومه الدينية في بداية حياته في المدارس الأهلية «الكتاتيب»، التي كانت منتشرة في ذلك الوقت في منطقة الأحساء، حيث درس القرآن الكريم على يد والده العالم الجليل الشيخ عبد العزيز بن حمد ، رحمه الله.
ثم درس بعد ذلك الفقه والحديث على يد العلامة الشيخ عبد العزيز بن صالح العلجي، رحمه الله.

بدأ الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك تعلّمه في سن السابعة، حينما بدأ في دراسة القرآن الكريم، ومن ثم انتقل إلى دبي، التي كان والده كثير التردد عليها لنشر العلم، فتعلّم الكتابة على أحد شيوخها، وهو الشيخ عبد الله بن موسى.

ولما أتقن الكتابة أعاده والده إلى منطقة الأحساء، حيث لازم الشيخ عبد الله بن سلطان القحطاني، الذي أتم على يده حفظ القرآن الكريم، ومن هنا انتقل مرة ثانية إلى دبي ليلتحق بالمدرسة الأحمدية، وهي التي أنشأها بعض الفضلاء لوالده، ليتخذ منها معهداً ليدرس فيها العلوم العربية والدراسات الإسلامية، وانتقل بعد ذلك إلى الأحساء ليتابع تحصيله العلمي على يد والده وعمه الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف، وغيرهما من العلماء، وفي عام 1352ه، تم اختياره من قبل الملك عبد العزيز، في لجنة لتثمين الأموال العامة في الأحساء، وفي عام 1355ه، تولى الإمامة في مسجد الديرية بالرفعة.

وقد تمكن خلال ذلك من حفظ عزية الزنجاني الخاصة بعلم المعاني، وألفية ابن مالك، وتدريب المسالك لأقرب المسالك، وهو من تأليف والده الشيخ عبد العزيز بن حمد، وغيرها من المتون في الحلقات الدراسية، والتي تخرّج فيها الكثير من أعلام منطقة الخليج العربي، ومنهم الشيخ محمد بن أحمد الخزرجي، وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وكذلك الشيخ القاضي قاسم بن مهزع من البحرين، والعالم الفلكي الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، صاحب التقويم القطري، والذي كان يعمل مدير مركز إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر، وتوفي في عام 1985م، وقد تنقّل برفقة والده في الدول المجاورة للتعليم والوعظ والإرشاد، مثل «دولة الكويت والبحرين ودبي والعراق»، واكتسب من هذه الرحلات العلمية الشيء الكثير وساعدته في التبحر في علوم الدين.

توليه القضاء

بدأ سماحة الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك ، رحمه الله، حياته القضائية عام 1372 ه، عندما تم تعيينه من قبل الأمير سعود بن جلوي، مساعد قاض لابن عمه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن راشد آل مبارك، رحمه الله، رئيس محكمة القطيف، وفي الوقت نفسه، كان يسكن بالظهران، ويقوم بالإمامة والوعظ بالجامع الثاني في الظهران، وكان خلال هذه الفترة مثالاً للنزاهة والعدل والحكمة، وذلك لبعد نظره في الكثير من الأمور الدينية والشرعية، وفي عام 1380ه، تم تعيينه رئيس المحكمة المستعجلة بالقطيف، وفي عام 1386ه، تم نقل رئاسة المحاكم من الظهران إلى الدمام، وتم نقل الشيخ أحمد بن عبد العزيز، قاضياً بالظهران وإماماً وخطيباً للجامع الكبير «الغربي»، حتى عام 1389ه، حيث عاد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

ووفق د. راشد محمد عبيد رشود، باحث في تاريخ الإمارات، كان سماحة الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك يقيم جلسة بعد صلاة العصر، يحضرها جملة من الجماعة المقيمين في الظهران، وأحياناً يأتون من منطقة الخبر والأحساء، ومنهم من يستشيره في بعض الأمور الشرعية.
إضافة إلى ذلك كان يقدم برنامجاً في تلفزيون الظهران تحت اسم «نور وهداية»، والذي كان يذاع أسبوعياً على حلقات، وقد أُوفد من قبل الملك سعود لتفقد القرى والهجر الشمالية الشرقية «النعيرية وما جاورها»، وذلك بسبب أثر فيضانات حدثت في تلك النواحي، وتعويض المتضررين من هذه الفيضانات.
وفي 1389ه، تمت الموافقة على إعارته من الملك فيصل، رحمه الله، المتوفى عام 1395ه، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بناء على طلب من رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، والذي كانت تربطه علاقة قديمة مع سماحته، حيث كان يأتي مع والده للتدريس في المدرسة الأحمدية في دبي، وظل معاراً إلى أن تقاعد من القضاء السعودي لبلوغه السن القانونية، وذلك في العام 1400ه.
وتم تعيينه رئيساً لدائرة القضاء الشرعي في إمارة أبوظبي، والمستشار الديني لرئيس الدولة. إلى جانب عمله إماماً لمسجد الإمام مالك بن أنس القريب من بيته في أبوظبي في «منطقة الروضة»، وكان يخطب لصلاة الجمعة في جامع زايد الأول في أبوظبي، وكانت خطبه تنقل عبر الإذاعة والتلفزيون، ويؤم الناس في صلاة العيدين، التي تنقل عبر الإذاعة والتلفزيون أيضاً، وأسس القضاء الشرعي في أبوظبي، وسعى إلى بناء مجمع المحاكم الشرعية الجديد بها.

صفاته

كانت صلته بالعلماء كبيرة جداً ومحببة إلى قلبه، فقد كان يستشيرهم ويتبادل معهم الرأي والمشورة في الكثير من القضايا الفقهية والمسائل المستجدة على الساحتين العربية والإسلامية فيما يخدم الإسلام والمسلمين، ومن هؤلاء العلماء الداعية الإسلامي الكبير أبو الحسن علي الندوي، والعالم الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي المملكة العربية السعودية، والشيخ عبد الله كنون، أحد علماء المغرب.
وكان رحمه الله كثير التنقل في الدول العربية والشقيقة والأجنبية، وذلك من أجل الوعظ والإرشاد، والتنبيه إلى بعض الأمور الاجتماعية، وحث الناس على التعاون لخدمة المسلمين، وكان دائماً يبذل النصح ويأمر بأخذ الحذر في جميع الأمور، ويلتقي المشايخ والعلماء في تلك الدول، للتنبيه إلى بعض الأمور الاجتماعية، ولهذا السبب، زار سلطنة عمان والكويت والأردن ومصر وسوريا والمغرب والهند وباكستان، والتقى علماءها.
من ذلك ، مشروع زايد لتحفيظ القرآن الكريم، الذي كان خطوة عظيمة، ومشروعاً رائداً أقامه على أرض الإمارات، حيث وضع خطة هذا المشروع، ورفعه للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان فوافق سموه «طيب الله ثراه»، على هذا المشروع العظيم.
كما شهدت المؤتمرات والندوات التي كان يحضرها المواقف الجريئة والنظرة الثاقبة والرأي السديد والقول الصريح، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، وترك ، رحمه الله، آثاراً تدل على حرصه على هذه الأمة.
وتوفي في الأحساء يوم الأربعاء 2/‏‏3/‏‏1409ه، ونعاه ديوان صاحب السمو رئيس الدولة، وبعث سموه ببرقيات تعزية إلى أسرة الفقيد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"