وادي القور أرض الحكايات والزراعة

رحلات بيع “السخام” حاضرة في الأذهان
12:39 مساء
قراءة 4 دقائق

في وادي القور، أقصى جنوب رأس الخيمة، على بعد اكثر من 180 كيلومتراً من مركز المدينة، حكاية يتداولها الأهالي عن شخص يدعى قوران يشاع أنه بعد معركة في الوادي قتل كل من حارب فيها، وتولى دفنهم وحده، وكان له صيت بالمنطقة، وعرفت المقبرة التي دفنوا فيها بمقبرة أو معشرة بني كليب، وهي قائمة إلى الآن، ومحافظة على شواهد المدفونين فيها، فسميت المنطقة بوادي قور اشتقاقاً من اسم الشخص الذي تغيرت حروف اسمائه على مر الزمان إلى ان بات يختصر بالقور . والبعض يرجع التسمية إلى القور وهي في اللهجة المحلية أجزاء النباتات كالليمون والمانجو التي تنتقل من مكانها إلى آخر لزراعتها . وما بين السببين المرجحين لإطلاق التسمية، زرنا منطقة وادي القور، لنعيد ذكريات الأهالي عن سنوات الانتقال على أظهر الحمير والجمال لحمل سخام السمر لبيعه في أسواق دبي والشارقة .

سعيد بن علي بن فاضل الكعبي، 42 عاماً، يقول: كان الأهالي يقطعون شجر السمر، ليبيعوه فحماً، وكان الوالد رحمه الله يقطع 14 سمرة لوحده بيوم واحد ويحرقها وينتج منها السخام، (الفحم)، ومن عجلة الأهالي قديماً كانوا يحملون السخام بأكياس الأرز اليواني يحترق البعض منها على ظهر البعير، من كثر احتكاكه وعدم الانتظار إلى حين تنفطئ النار بالفحم جيداً، ويضطرون إلى انزاله واطفاء النار منه، اذ كانوا يستعجلون توريده مع الذاهبين من الأهالي لسوق دبي أو الشارقة .

سعيد عبيد بن غشوم، 80 عاماً، يقول، أتذكر اني قمت بنفسي بنقل الكنكري، وهي أحجار صغيرة بجفير ومسحاة، وملأت بها بيت فرت أي شاحنة كبيرة، من أحجار السيح، اذ كان الأهالي يتوزعون في مهنهم البعض في المزراع والآخر يبيع الفحم وثالث الكنكري، وحياتنا كانت ماضية، على قدر إمكانياتنا ومواردنا البسيطة .

ورغم الفقر والحاجة، كان الأهالي يصرون على تخصيص فطرة أو سبيل في المزرعة كتحديد نخلة مثلاً تبقى كالوقف، حتى لو بيعت المزرعة تبقى ثمار تلك النخلة وإنتاجها يخرج صدقة عن روح فلان، أو تخصص النخلة لعابري السبيل وتسمى سبيل . ومازالت بعض المزارع تسقى بالافلاج المصنوعة من اليص (الجص) ويمتد عمرها لإكثر من 200 عام، ومازال الكثير من أهالي وادي القور متمسكين بالزراعة وخبراء فيها .

يقول حارب غريب الكعبي 85 عاماً، أول ما تظهر النخلة ثمارها، يضع المزارع عليها حبوب الطلع التي نسميها النبات وتسمى العملية بالتنبيت بعدها يسير الغذوق أي يربطها بحبل على خوص النخل وبعد ان تنضج وتتحول إلى تمر، ينزلها المزارع بما يسمى بالتحدير، وبين التسيير والتحدير، تتخلل عمليه قطف الثمار بالمخرافة اي يخرف المزارع الرطب حين ينتصف نضوجه، وتفرش بساط يسمى سمه من خوص النخل أو الغضف اسفل النخله ليتسنى للمزارع جمع التمر . وبعد انتهاء موسم التمر، ينظف المزارع النخله من الخوص اليابس، ويضع السماد الذي يسمى سابقاً بالدمن وأفضل سماد للنخل حسب خبرته سماد البقر .

ويشير إلى أن من العادات المشتركة بين الأهالي في الإمارات أن يجتمع أبناء المنطقة عند صاحب المنزل ليساعدوه على إعداده، وكان أساس المنزل، يبنى من حصى وتسمى طيه وتسمى أطرافها ريعه، وتكون الطية بارتفاع 3 أمتار تقريباً، وبعدها توضع الرايلة وهي اعمدة مائلة على يمين ويسار الباب توضع في الامام، وعمود يوضع في منتصف الخيمة بشكل طولي ويسمى مد والأعمدة تصنع من خشب السمر أو السدر أو جذوع النخل وهي ما تستخدم بكثرة، ويوضع عليها مقير وهو قطع مصنوعة من القار أو يوضع طربال ومن ثم يوضع عليه الدعن .

وأكد الكعبي أن الأهالي متعاضدون حتى في الزارعة، إذ يشكلون طيه من الحصى للحفاظ على التربة من الانهيار تحت الأشجار التي تقع على مرتفع ترابي، ويشكلون مجرى الفلج ويغلقونه بالسوار أو مرد، ويشكل الحابوط على عيون المياه الجارية، والحبيسة تشكل أمام مجرى الوادي لتسقى المزارع منها وتعتبر أكبر من الحابوط، ويوجه مياه الوادي من خلال فتحة في الحبيسة إلى الفلج ومن ثم تعلق ليعود الماء إلى الوادي حين ينتهي المزارع من سقي الاشجار المخصصة لها تلك الفتحة، أما توصيل مياه الفلج من مكان مرتفع إلى آخر منخفض فيسمى يتاق ويشكل بأصواته ألحاناً جميلة كشلال صغير، وتوضع على الفلج قنطرة وهي حصاتان فوقهما ثالثة لتحدد مستوى المياه المندفعة في الفلج وتستخدم أيضاً كمعبر فوقه .

فاطمة سلطان، 70 عاماً تقول: كانت حياتنا بسيطة إلا أننا كنا في حركة دائمة، ومن عمل إلى آخر، حيث كانت الأم تطبخ وتنظف وتخيط وتسف ولم يكن لديها وقت فراغ إلا وقضته بالعمل لصالح أسرتها، وكانت الفتيات يساعدن أمهاتهن برعايه الماشية أو في الطبخ والخياطة .

وتضيف: كانت معظم الخدمات تعتمد على أيادينا، ولا نعرف الجاهز أبداً، فنحن تشتري قطع القماش ونخيطها لأنفسنا ولأزواجنا ولأفراد الأسرة، كما كان الطبخ على النار بالتنور يومياً ولم تكن سبل الراحة متوفرة كما هي حالياً . وكنا نستقي من الآبار، بقرب من جلد الماعز .

كانت عطورنا عبارة عن ياسمين يشترى من سوق دبي، أو زعفران يدق مع المحلب، ويوضع على جانبي الخدود خاصة للعرائس، وبعض النساء يصنعن الدخون بخلطات شعبية وعطور محلية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"