العراق ودول الخليج . . رؤية استراتيجية

03:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . حسين حافظ
حدد آرنولد ويلسون الحاكم البريطاني للعراق بين الأعوام 1918-1920م أهمية الخليج العربي بالعبارة التالية "أي ذراع بحرية لم يقدم ولن تقدم حتى يومنا هذا مجالاً حيوياً للجيولوجي كما للآثاري المؤرخ كما للجغرافي وللمتخصص في الشؤون الاستراتيجية كما قدمته مياه الخليج" .
الأهمية الشاملة ليست فقط بصدد الموقعية في مجال الصراع الدولي الدائرحين ذاك، بل الأهمية الاقتصادية الفائقة فيما بعد والتي احتلت وتحتل فيها دول الخليج العربي أهمية استثناثية كمخزون للطاقة في العالم، مما يجعل منها وعلى الدوام محط أنظار القوى المتصارعة، فكانت بهذه الموقعية والثروة منطقة جذب أساسية للموجات الاستعمارية التي تعاقبت على غزوها، ومنذ أن وطأتها أقدام الهنود والأوروبيين من إسبان وبرتغاليين وهولنديين وفرنسيين وبريطانيين، الأمر الذي يعكس الأهمية الاستثنائية وغير الاعتيادية لدول منطقة الخليج العربي .
وانسجاماً مع تلك الأهمية فقد جرى الاهتمام بها سياسياً وكانت وعلى الدوام فاعلاً شديد التأثير في الأحداث والتحولات الدولية لا سيما في المرحلة التي شهد فيها النفط وموارد الطاقة الاخرى أهمية متزايدة واستثنائية، وكذلك في مرحلة الصراع الدولي الذي ترافق مع مرحلة الحرب الباردة .
هذا الاهتمام تجاوز صناع القرار بل تعداه إلى الاستراتيجيين الذين ينغمسون في وضع السياسات طويلة الأجل والأهداف بعيدة المدى، آخذين بعين الاعتبار مصالح دولهم وحاجات مجتمعاتهم الاستراتيجية والحفاظ عليها إلى أجل غير منظور، وتبعاً لذلك كانت دول الخليج وستبقى تمثل نقاط تماس استراتيجية للقوى العظمى المتقاطعة في الاستراتيجيات، وبهذه الكيفية أيضاً ينبغي أن تفهم الخطوط الحمر التي تضعها الدول العظمى في مواجهة بعضها بعضاً وخاصة في المناطق الاستراتيجية في العالم وفي مقدمتها دول الخليج العربي .
وهنا يأتي العراق ليكمل الأهمية الخليجية الاستثنائية فإذا ما استثنينا المخزون النفطي الهائل فيه فإنه قادر بشيء من الفاعلية أن يؤدي وظيفتين متقاطعتين فهو قادر على تهديد القوس الدفاعي الروسي الممتد من القوقاز حتى أفغانستان مروراً بإيران والذي يمثل حائط الحماية الحقيقية لما يسمى جناح الهجوم الشمالي في الاستراتيجية الأمريكية التقليدية .
من العراق تستطيع القوات المهاجمة أن تصل إلى القوقاز وأن تجتاز إيران لتهدد الجنوب الروسي ومن العراق أيضاً يمكن خلق كماشة هائلة مع الحركة القادمة من باكستان حليفة الولايات المتحدة لتقطع الطريق على أية حركة مساندة لمحاصرة الروس قادمة من إيران .
وهو بنفس الوقت قادر على أن يؤدي وظيفة مغايرة ويشل جميع عناصر الوجود الأمريكي بمثلث المساندة العسكرية أو حتى فيما يتعلق بقاعدة الإختراق الأمريكي في جنوب غرب آسيا بما فيها دول الخليج العربي لو قدر له التحالف مع إيران .
هذه الوظيفة تبدو واضحة وحاسمة من حيث خطورتها ويمكن أبطالها لو تحقق وإن اتجهت دول الخليج لاحتضان العراق أو العكس، فاتجاه دول الخليج لاحتضان العراق يحقق لها ذلك العمق الاستراتيجي الذي يغنيها عن الاعتماد على أي عمق استراتيجي سوقي آخر .
والواقع أن العراق يمثل قلب القوس الممتد من وسط شبه جزيرة الأناضول حتى بحر العرب جنوب شبه الجزيرة العربية، هذا القوس الذي تستند إليه الاستراتيجية الكونية الأمريكية لتربط بين الدفاع الأطلسي والوجود في القرن الإفريقي ويمثل أحد المواقع الأساسية في الإدراك الأمريكي الكلي للدفاع عن العالم الحر . هذا الترابط رغم أنه في الاستراتيجية الكونية تقليدي إلا أن اهميته لم تتبلور في الاستراتيجية الأمريكية إلا بعد امتناع تركيا السماح للقوات الأمريكية بالمرور عبر أراضيها إبان احتلال العراق في العام 2003م .
أما الوظيفة الأخطر للعراق اليوم فهي أنه يمثل حائطاً إزاء التيارات الإسلامية المتطرفة والمحاولات القادمة من الخارج لدعمها، ولا يجوز لنا أن نستهين بتنظيم "داعش" بالنسبة للمستقبل ولأمن المنطقة الكلي، وعلينا أن ندخل في الإعتبار مجموعة من الحقائق لا يجوز أن نخفف من دلالتها، فالتطرف الإسلامي في العالم ليس أمراً يستهان به وهو يرتبط بانفجار فكري مشوه ومخيف حتى إن انتماء غير المسلمين له يشكل سابقة لم تشهدها التنظيمات الإسلامية السابقة، زيادة المتطوعين غير المسلمين في الفترة الممتدة من عام 2010 حتى الآن كانت خمسة أمثال قبل تلك الفترة، والواقع أن المسلمين من أصول غربية زادت نسبتهم بشكل ملحوظ وبالخصوص من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وأضحوا هاجساً بالغ الخطورة على مستقبل الاستقرارالدولي .
هذا التطور يمثل قوة جذب عنيفة سواء للعراق أو سواه من دول المنطقة والعالم . ورغم المعلومات التي لدينا عن موقع هؤلاء المسلمين من غير العرب في سلطة قيادة التنظيمات محدودة إلا أن الذي نعلمه من التاريخ القريب الذي ينبئنا عن زيادة خطر تلك التنظيمات إذا ما ارتبطت بشبكات تمويل عالمية باتت تتسع يوماً تلو آخر ولذلك ينبغي أن تكون مقاومة هؤلاء قوية بل وعنيفة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتعاون عراقي - خليجي جاد .
لذلك يلزم القول إن الاستثمار السياسي العربي في العراق اليوم هو خيار استراتيجي خليجي لا يمكن إهماله أو التخلي عنه لا سيما وأن التحول النوعي في قيادة الدولة العراقية أمر يبعث على التفاؤل، وفي ظل صحة الفرضية القائلة إن أمن الخليج العربي يتأثر على الدوام بأمن جيرانه وفي مقدمها العراق وإيران يصح القول كذلك إن احتضان العراق يمثل رؤية خليجية استراتيجية نادرة .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"