روسيا والمواجهة مع الغرب

04:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . حسين حافظ
في إحدى أهم تنبؤات المفكر الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق يقول إن الغرب والولايات المتحدة كلاهما سيدخل في مواجهة عسكرية وشيكة مع روسيا وإيران وستسحق إيران فيها بشكل تام ومدمر وكارثي، وسيتفكك الاتحاد الروسي، وأن هذه المواجهة ستعيد الهيمنة الأمريكية التي أصابها الوهن في السنوات القليلة الماضية، ولوضع حد لتطلعات الروس في إعادة التوازن الدولي ونظام القطبية التعددي .
وتدخل هذه النبوءة في سياق احتمالين أساسيين يمكن أن يساهما في كشف أبعادها الخطرة على السلم والأمن الدوليين .
أولها سلامة ما ذهب إليه كيسنجر انطلاقاً مما صرح به الرئيس الأمريكي أوباما ومن خلال منبر الأمم المتحدة حول إدراج روسيا في قائمة الأخطار التي تواجه العالم بعد "داعش" ووباء "إيبولا"، وبالتالي فهو يعتقد بضرورة وضع حد للقوة الروسية المتزايدة بوصفها القوة التي تمتلك مصداقية كبيرة في الحد من النفوذ الأمريكي في الهيمنة على المجتمع الدولي، وهو ما بذلت الولايات المتحدة الكثير لتحقيقه، وأن أي قوة دولية تقف بوجه ذلك النفوذ فإنها ستواجه بصرامة منقطعة النظير .
وحقيقة الأمر هي أن هناك رغبة دولية بألا تتفرد فيها روسيا فقط في محاولة تغيير موازين القوى في العالم، بل قوى دولية كبرى وفاعلة في النظام الدولي، وأن أطراف هذه القوى الأساسية هي الصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي للخروج من مأزق الهيمنة الأمريكية انطلاقاً من فرضية أن نظام القطبية الأحادية هو حالة طارئة فرضتها ظروف تفكك الاتحاد السوفييتي، وأن الحالة الطبيعية هي تحول النظام الأحادي إلى تعددي تلعب فيه تلك القوى دوراً أساسياً ومحورياً وبما بتناسب وما تمتلك من مقومات قوة عالمية، وبالتالي فإن سعي روسيا الحثيث للإسراع بتقويض النظام الأحادي لا بد أن يقابل برد أمريكي رادع، وهو شأن تعاقبت عليه السياسات الأمريكية منذ دخول الولايات المتحدة كطرف أساس في التفاعلات الدولية خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها وإلى يومنا هذا .
وإن الباعث الأساس الآخر لردع روسيا هو محاولاتها الدائمة لدفع قوى إقليمية ذات أهمية استثنائية للمصالح الأمريكية للاستعصاء والوقوف بوجه الولايات المتحدة مثل إيران في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية في شرق آسيا وهو الأمر الذي يثير السخط الأمريكي حول السياسة الروسية فضلاً عما يحصل اليوم من استعصاء أوكراني لبعض المقاطعات في الجنوب الشرقي من أوكرانيا .
أما ثاني تلك الاحتمالات فهي أن تلك النبوءات تدخل في سياق الحرب النفسية أو الدعائية التي غالباً ما تمارس إبان الأزمات الدولية شديدة الخطورة على الوضع الدولي، ولأن الأزمة في أوكرانيا خرجت عن السيطرة الأمريكية، وأن روسيا قد حققت فيها نجاحاً وعليه فإن جزءاً من الماكنة الإعلامية الأمريكية ينبغي أن تسخر خدمة لأغراض تلك القضية الخطيرة، ولأن المستشار الأمريكي الأسبق يحظى باهتمام كبير لدى معظم صناع القرار في العالم باعتباره الأعرف بكواليس السياسة في العالم فإن القول بالمواجهة الوشيكة يمكن أن يشكل عنصر ردع فاعل في مواجهة روسيا والحد من تطلعاتها الإقليمية والدولية .
خلاصة القول هي إن روسيا بتراثها التاريخي الثري قد ساهمت وبقدر كبير في شد أطراف المجتمع الدولي ومنذ ما يقترب من قرن من الزمان وهي ليست على غرار من سبقها من الإمبراطوريات الأخرى في التاريخ الإنساني التي استطاعت تجاوز عقدتها الإمبراطورية التاريخية، بل ظلت دائمة التمسك بتراثها وخصوصيتها النوعية في العالم ولم تستطع حتى هذه اللحظة الانسياق النظمي ضمن إطار النظام العالمي الجديد الذي ظهر إلى الوجود بعد سقوط إمبراطوريتها، وبالتالي فإن العقلانية السياسية تتطلب من روسيا أو سواها مراجعة حجم الكارثة الدولية لو حصلت بالفعل مواجهة روسية - أمريكية، وكيف سيصبح شأن العالم عند ذاك؟ وهنا تبرز إلى الذاكرة الإنسانية بعض السياقات التاريخية الواجب مراجعتها وقراءة بعض الرؤى لقادة العالم العظام في التاريخ الحديث ومن أبرزهم رئيس الوزراء الصيني الأسبق شوإن لاي حين أجاب على سؤال في الخمسينات من القرن المنصرم (إلى أين يسير العالم؟) فأجاب أنه يسير إلى الفوضى في كل شيء، فعلى روسيا والولايات المتحدة على حد سواء تدارك حجم المخاطر التي تواجه العالم حين تحصل مواجهة مباشرة بينهما سيما وأنهما عملاقان نوويان نوعيان .
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"