من يعالج آلامنا العربية؟

04:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

تساءل كثيرون عن جدوى القمة السورية- السعودية الأخيرة بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين، وكانت وراء تساؤلاتهم أغراض خفية لا تخدم السياق الطبيعي أو المنطقي للأحداث. وسوف نتحدث على مسار واحد فقط، وهو المسار اللبناني الذي عاد للحياة كنتيجة مباشرة وفورية لتداعيات هذه القمة التي جاءت في موعدها.

ألم يكن أمراً مهماً أن يعقب القمة مباشرة اتصال هاتفي بين الرئيسين السوري بشار الأسد واللبناني ميشال سليمان يؤكد فيه الأسد أن لبنان احتل حيزاً مهماً من محادثات قمة دمشق.. أو قمة الأوسمة كما سماها البعض. فتبادل الأوسمة بين الزعيمين العربيين يعني الاتفاق ضمناً وعلناً على تجاوز ما حدث في الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات. ويكتب للملك عبدالله بن عبد العزيز السبق في هذا المجال، فهو الذي بدأ بالمصالحة، وكانت قمة الكويت في مارس/آذار الماضي خير شاهد على ذلك.

إن الاتصال الهاتفي بين الأسد وسليمان هو بداية النتائج الإيجابية المرجوة من قمة دمشق، والتي من دلالاتها المهمة: التأكيد على التآخي والتنسيق والتشاور بين الزعماء العرب، ذلك أن الوضع العربي الراهن بأشد الحاجة إلى التضامن لمواجهة التحديات التي تواجهها الأمة العربية، وهو ما يستدعي التعاون وتقوية العلاقات العربية- العربية.

فالقمة تمثل بداية التضامن المفقود الذي سيعيد العرب إلى وضعهم الطبيعي ليستطيعوا مواجهة ما يعترضهم من تحديات، وقد أكد ذلك أحمد بن حلي الأمين العام المساعد للجامعة العربية في تعليقه على مجريات القمة بالقول: إننا في حالة ليست على ما يرام ولكن التحرك والجهود التي تبذلها القيادات العربية لتجاوز هذه المرحلة المهمة، تمثل بارقة أمل للشعوب العربية وخطوة أساسية لمسار يفترض أن يستكمل بين الدول العربية لأننا لم نكن في موقف موحد أو تضامني.

مما لا شك فيه، أن القمة السورية- السعودية، ستكون من أهم نتائجها عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، وهو أمر مطلوب بقوة في الوقت الراهن، ولو تحقق هذا الهدف، سنرى الكثير من المشاكل العربية وقد حلت على الفور وطواها النسيان. فما نشهده من أزماتنا العربية يستوجب تكريس هذه العلاقات الدافئة والإيجابية، فأمامنا ملفات كثيرة أقرب إلى الجروح لم تندمل بعد وتبحث عن موقف عربي موحد. مثل العراق المهمش عربياً ومشاكله الكثيرة التي تبحث عن حل عربي، وليس السودان بأفضل حالاً من العراق ثم الصومال الذي أصبح خارج التاريخ، ولن نتحدث بطبيعة الحال عن قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية التي أصبحت قضية فلسطينية- فلسطينية بعدما كانت قضية كل العرب.

ولا يمكن إغفال أن الحكومة اللبنانية إذا كانت تؤلف في بيروت، فإن ولادتها مرهونة بالانفراج في العلاقات العربية- العربية. مع التأكيد على أن العمل الداخلي هو الأساس لتشكيل هذه الحكومة، وليس طبعاً كل الحلول خارجية. ومن المهم ان يسعى الجميع إلى تقريب وجهات النظر وتقليل أجواء التشنج والتشدد وعدم وضع الشروط التعجيزية.

إن السعودية بقوتها وتأثيرها في محيطها العربي والإسلامي والإقليمي كانت قريبة جداً وما زالت من الشأن العربي بكل جروحه وآلامه. وخير مثال على هذا، هو مبادرة السلام العربية التي بدأت سعودية في البداية ثم سرعان ما تحولت إلى موقف عربي موحد، ثم تلاها توافق إسلامي عليها. ثم لا ننسى ونحن نسرد الجهد السعودي في سبيل حل القضية الفلسطينية، اتفاق مكة للمصالحة بين فتح وحماس، ولكن للأسف الشديد اجتهد الفرقاء الفلسطينيون في إجهاضه بعد توقيعه في مكة المكرمة أطهر بقعة على وجه المعمورة.

إن العدو هو المستفيد الأول من غياب الجهد العربي الموحد، وان ملفاتنا معلقة وأزماتنا ما أكثرها وتتكاثر وتتراكم، ولكن مما لا شك فيه، تمثل قمة دمشق بين الزعيمين العربيين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبشار الأسد، فرصة قوية لإعادة اللحمة إلى الموقف العربي الذي يئن من غياب التوافق منذ أمد بعيد.

كاتب بحريني

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"