هل يتحضَّر لبنان لتسويات المنطقة؟

03:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
سليمان تقي الدين
يظهر بوضوح أن أمريكا ودول الغرب غير مهتمة بملء الفراغ الرئاسي في لبنان ولا حتى بشؤون لبنان الأخرى كما هي عادتها من قبل . حين تكون جادة كما حصل عام 2008 تولت فرنسا دوراً محورياً في الاتصالات لعقد مؤتمر الدوحة وإنتاج تسوية . ومنذ الخمسينات كانت لأمريكا اليد الطولى في إدارة ملف الرئاسة اللبنانية .
ليس هذا الأمر هامشياً ولا دليلاً على أن لا مصالح لهم في لبنان، أو أنهم لا يتعاطون معه كجزء من ملف المنطقة . على العكس من ذلك يبدو لبنان اليوم بنظرهم جزءاً غير منفصل وغير قابل لمعالجة شؤونه بمعزل عن النظام الإقليمي الذي يطمحون إليه . عملياً سيكون مصير لبنان جزءاً من مصير سوريا وكيف سيتم "الحل السياسي" فيها الذي بدأت تُستدرج العروض حوله، ولموسكو بالذات مهمة تحضير الأوراق المفتاحية . هذه هي الوظيفة التي لم تلعبها موسكو من قبل رغم صلتها الوثيقة بعدد من أطراف المعارضة السورية قبل ظهور السلفيين والجهاديين التكفيريين وانتشار الفوضى . موسكو الآن تملك جزءاً مهماً من قرار النظام السوري وقادرة على التفاهم مع المصالح الإيرانية، وهي الآن تحاول جمع أوراق المعارضة "المعتدلة" التي ضاقت ذرعاً بالدور الغربي وخاب ظنها فيه وبدأت تستشرف آفاق التسويات السياسية ولو طال الزمن . أقله هناك قناعة راسخة لدى النظام والمعارضة إن لا حسم عسكرياً للأزمة وأنه لابُد من تفاوض وحوار بموازاة ذاك الجاري بين الأطراف الدولية والإقليمية .
ومن اللافت أن سفراء غربيين نصحوا أطرافاً لبنانية بوضوح في الحفاظ على الأوضاع القائمة والتهيؤ والتكيّف مع ما يمكن أن يطرح من حلول سياسية، وأوحوا بأن مصير الأنظمة السياسية المشرقية ذاهب إلى فيدراليات من دون تغيير في حدود الدول . وهم بذلك يستفسرون عن احتمالات الصيغة اللبنانية الجديدة . ولا تظهر الأطراف اللبنانية ممانعة في ذلك وربما هي جميعها تسهم في تعطيل المؤسسات بانتظار وضوح اتجاهات الريح . ولهذا يتحمل الأطراف المسيحيون مسؤولية أساسية عن انقسامهم وتنافسهم على حساب تثبيت نظام الطائف الذي مازال يعطيهم وزناً مهماً في معادلة السلطة . وفي حال أي تغيير فإنهم لن يستطيعوا الاحتفاظ ببعض المواقع إلاّ إذا جنحت الأمور فعلاً نحو الفيدرالية الجغرافية وربما المداورة في الرئاسات كما يتهامس بعض الأطراف أو نوع من المجلس الرئاسي .
المشكلة أن حل "الطائف" نضج عبر جدال طويل امتد على امتداد سنوات الأزمة وتضمن بنوداً متوازنة نظرياً ودستورياً على الأقل، بينما لا حوار لبنانياً الآن في عمق الأزمة ولا تصورات واضحة لدى كل الأطراف . عند ذاك قد تأتي الحلول أكثر ارتجالاً وتتسبب بالمزيد من النزاعات . فإذا كان موجب للحوار وهو موجب لبناني دائم لصيانة العيش المشترك فإن الحاجة ملحة مع بدء الحديث عن حوار إسلامي إسلامي (سني- شيعي) أن تذهب الأمور إلى جدول أعمال يستشرف هواجس الجماعات البعيدة المدى وليس اللحظة السياسية الراهنة .
طبعاً ما صار مسلماً به ولو أنه لم يسقط من السجال السياسي أن بعض القضايا ولاسيّما العلاقات الخارجية والدفاعية مرتبطة بالواقع الإقليمي، ومن العبث الخوض فيها حتى النهايات . لكن مسألة النظام السياسي وتوزيع السلطة يفرضان نفسيهما عنواناً لابُد منه لأن ما حُكي عن نظام المثالثة ليس شائعة وليس افتراضياً أو خيالاً . هناك خلل على صعيد السلطة التنفيذية نتج عن التطبيق المتحيز أو السيئ للطائف، كما نشأ عن معادلات جديدة ديمغرافية واجتماعية وسياسية .
على أي حال يجب الإشارة إلى أن المعارضة السورية لم تقدم حتى الآن من مشروعها سوى بيانات عامة تقليدية عن وحدتها واستقلالها وسيادتها والنظام الديمقراطي . لكنها لم تفكر من قبل ولا هي الآن تساهم في بلورة مشروع لإعادة بناء الدولة مع كل هذه المستجدات، من مسألة الجماعة الكردية، إلى مستقبل الأقليات العلوية والإسماعيلية والدرزية والمسيحية، ولا عن شراكة الطائفة السنية (الأكثرية) في النظام الجديد، بينما يتمسك النظام بالحفاظ على معظم مواقع السلطة المركزية الفاعلة من دون تغيير في صلاحيات السلطة التنفيذية .
ويبقى السؤال دائماً عما هي الصيغة لدولة لن تعود كما كانت من قبل، مهما بالغ المبالغون وتجاهل المتجاهلون صعود المسألة الطائفية بهذه الحدة الانفجارية في المشرق العربي؟ نعم . الأرجح ألا تغيير في حدود الدول لكن حتماً هناك تغيير في شكل الدول وأنظمتها، ودائماً باتجاه شكل من أشكال اللامركزية . ولم تعد فكرة الدولة الاتحادية فزّاعة لأحد بعد أن شقت طريقها في التداول لأكثر من بلد عربي . المهم في الأمر ليس فقط إيجاد أشكال من الإدارة الذاتية لبعض المناطق والجماعات بل ما سيبقى من مشتركات في الدفاع الوطني وتوزيع الثروات وحدود حرية التربية والتعليم بعد هذا التشرذم الذي نتج عن صعود حركات الإسلام السياسي وانتشار ثقافتها وبهذا الشكل من المواجهة مع الآخر .
فإذا صح هذا التشخيص فلابُد من فتح النقاش حراً صريحاً بين الجماعات الطائفية والسياسية عند هذه القضايا لا إدارة الظهر لها .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"