“دولة فلسطين” لا تحتاج إلى شرعية قانونية

05:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
سليمان تقي الدين
لا تحتاج "دولة فلسطين" إلى شرعية قانونية . ففي قرار التقسيم الذي أنشأ "الكيان الإسرائيلي" إقرار بدولتين واحدة لليهود وأخرى للعرب الفلسطينيين (القرار 181-1948) . ثم جاء القرار 194 يعترف للمهجرين الفلسطينيين من أرضهم ومنازلهم بحق العودة أو التعويض . وبعد الاحتلال "الإسرائيلي" لبقية الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع) عام 1967 توالت قرارات دولية تدعو "إسرائيل" للجلاء عن أراضٍ احتلتها (القرار 242) أي عن أرض لشعب آخر وقع تحت الاحتلال . وانطلقت القضية الفلسطينية بقوة خاصة بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول ،1973 في المحافل الدولية وإقرار الدول بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وضمناً بحق تقرير المصير وإنشاء دولته المستقلة .
وفي الثمانينات وصاعداً وخاصة بعد المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر أعلنت منظمة التحرير الحل النهائي على أساس قرارات الشرعية الدولية وعدلت ميثاقها ليتلاءم مع مشروع الدولتين، ثم بلغ الأمر بالأمريكيين أنفسهم أن تعهد كل رئيس منهم بحل الدولتين . وجاء إتفاق أوسلو رغم كل ما يقال فيه ليؤكد وجود تعاقد بين كيانين قانونيين يمثلان شعبين . المسألة كانت دائماً مسألة شرعية سياسية تأتي عن طريق طرف ثالث هو الأمم المتحدة يملك القدرة على تنفيذ قراراته بواسطة مجلس الأمن والفصل السابع إذا شاء . وحتى الشرعية السياسية هذه لا تكفي وحدها لوجود كيانات دول كما كانت حال الصين الشعبية حتى عام ،1974 فرغم أهمية النقاش القانوني (الدولي) ورغم أهمية تأييد الدول منفردة كما هو حال منظمة التحرير التي تملك سفارات منتشرة في العالم أو نالت الاعتراف منذ سنتين بصفة عضو مراقب في الأمم المتحدة، فإن المسألة تبقى سياسية ونضالية وتحتاج إلى مبادرة فلسطينية تضع هذا الرصيد في خانة الإجراءات التنفيذية . بهذا المعنى كان قطاع غزَّة بعد 2005 كياناً غير مستقل وغير محتل ولكن "حماس" حولته إلى أرض محرّرة تبحث استكمال شروط التحرير والسيادة . مسألة السيادة هي الموضوع الذي يدور حوله الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، أي حق تقرير المصير .
كل خطوة اليوم كالتي اتخذها البرلمان البريطاني خطوة معنوية وسياسة ذات أهمية وذات دلالة على مشروعية وشرعية القضية العادلة للشعب الفلسطيني والحل الذي يمكن أن يعالج هذه القضية .
لا نريد هنا القول إن السلطة في رام الله أخطأت أو أصابت أو أننا نتهمها بالتقصير في الاستثمار السياسي . فهناك الكثير من المعطيات والتعقيدات و(الانقسامات الفلسطينية والعربية) ما لا نحيط بمفاعليه ونتائجه . لكننا نريد الحث على الفكرة الرئيسية التي مازالت تمثل نقطة ضعف للمفاوض الفلسطيني كما للمقاوم بالسلاح وهي برنامج "التحرير" . ما هو المشروع وإلى أين يمكن للحل الفلسطيني أن يصل على المستوى الوطني والسياسي والكياني والحدودي والسيادي ويعبّر أو يمثل إنجازاً وطنياً قد يختلف حول قيمته وحدوده الفلسطينيون لكنهم يقبلونه اليوم كحل .
المشروع "الإسرائيلي" عموماً معروف والمقترحات "الإسرائيلية" في مراحل مختلفة معروفة ولن نعود إليها بما في ذلك الفيدرالية مع الأردن أو غير ذلك والآن الحكم الذاتي دون سيادة وطنية . نزعم أن الشعب الفلسطيني لم يكوّن حتى الآن خياراً واحداً موحداً ولم ينخرط في مشروع الحل إزاء وجود أطراف خارج إطار منظمة التحرير وكتل بشرية موزعة تسيطر على أجوائها أطراف سياسية مختلفة . هذه حالة غير عادية لحركة تحرر وطني في ظروف أقل خطورة وحدة وتحديات . المطلوب اليوم أكثر من الماضي بعد ان اختل ميزان القوى من وجوه عدّة في غير مصلحة قضية فلسطين بالمعنى العملي لا بالمعنى المعنوي، أن يكون الهدف الأول للجهد الفلسطيني هو بلورة البرنامج الموحد الذي لا يقيم حائطاً عازلاً بين المفاوضات والمقاومة . لكن التكامل على المستوى لا يجوز أن يكون عملية ثنائية بل عملية واحدة يكمل السياسي فيها العسكري ويكمل العسكري عند الضرورة السياسي على ما في أفق العسكري من ضمور بعد حرب غزَّة الأخيرة عكس المناخ التعبوي السائد . المقاومة بحاجة لإعادة تعريف بطبيعتها ووسائلها وقواها وأهدافها والمفاوضات كذلك . فلا مقاومة ممكنة على حصيلة النتائج الإنسانية والمادية التي وصل إليها قطاع غزَّة، ولا مفاوضات ممكنة بعد أن استطاعت إسرائيل أن تجعل سلطة رام الله طرفاً غير معني إلى حد ما حتى بالمقاومة المدنية السلمية . هذا الوضع الشاذ للقضية الفلسطينية يحتاج إلى مؤتمر وطني حواري في العمق يأخذ بنظر الاعتبار كذلك الواقع العربي والإقليمي المحيط ويعيد تقييمه وفهم دلالاته ونتائجه . إذا لم نكن بصدد التفكير بهذه المسائل فنكون مازلنا في طور رد الفعل والرؤية القصيرة المدى التي أسهمت في تعقيدات النضال الفلسطيني .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"