ملك القدود الحلبية

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

في حوار قديم أجراه الإعلامي مروان صوّاف، سأل الفنان الكبير صباح فخري سؤالاً سنوجزه في التالي: لو أقمنا ثنائية بين الفنان والمدينة، هل توافق على ثنائية: صباح فخري ومدينة حلب، فأجاب بدون تردد بنعم كبيرة، فهو ابن حلب وابن روحها وفنها. وفي رده على سؤال آخر في المقابلة نفسها عن الجمهور المتلقي للفن والموسيقى في حلب، أكد صباح فخري معلومة متداولة حول أنه حتى كبار الفنانين العرب، وبينهم الموسيقار محمد عبدالوهاب، كانوا يهابون لقاء الجمهور الذواق للغناء والموسيقى في المدينة، كأنهم مقبلون على امتحان، وما أن تنتهي حفلاتهم باستقبال جماهيري طيب، حتى يشعروا بأنهم اجتازوا هذا الامتحان بنجاح.
نستعيد هذا ونحن نودع ملك القدود الحلبية الذي رحل عن الدنيا مخلفاً إرثاً فنياً لا للحاضر وحده وإنما للمستقبل أيضاً، فهو ليس ملك القدود فقط، وهي نوع من الموسيقى موجود في مدن أخرى في سوريا بينها دمشق العاصمة، وموجود في بلدان عربية أخرى بينها مصر والمغرب وتونس، كما قال فخري نفسه في المقابلة إياها، وإنما كان ملك القدود الحلبية تحديداً، فهي ارتبطت باسمه، وهو من وهبها الكثير من روحه ولمساته التي لا يشبهه فيه أحد.
ولد صباح فخري في حلب عام 1933، وعندما كان لم يزل فتى في مقتبل العمر التقى بفخري البارودي، مؤسس المعهد الشرقي بدمشق، الذي أعجب بصوته وحثه على تنمية موهبته بشكل أكاديمي، بل هو من منحه اسمه الفني الذي اشتهر به، أي صباح فخري، فاسمه الحقيقي هو صباح الدين أبو قوس. ولأننا نتحدث عن زمن آخر غير زمننا، كان فيه الفن فناً، علينا أن نقرأ في سيرة صباح فخري الشاب التالي: «درس الموشّحات والإيقاعات ورقص السماح والقصائد والأدوار والصولفيج والعزف على العود»، وقبل ذلك تعلّم في «المدرسة القرآنية» في حلب أسس ومبادئ اللغة وعلم البيان والتجويد قبل أن يبلغ ال 15 من عمره.
لم يؤد فخري أغاني حلب التراثية فقط، وإنما أدى أغاني من قصائد أبو فراس الحمداني والمتنبي وابن الفارض والرواس وابن زيدون وابن زهر الأندلسي ولسان الدين الخطيب، ومن أشهر أغنياته: «مالك يا حلوة مالك»، و«خمرة الحب اسقينيها»، و«قدّك المياس»، و«يا مال الشام».
لن ننجو مهما حاولنا من المقارنة بين حلب التي صنعت صباح فخري وقدوده، وحلب الراهنة التي دمّرتها الحرب الطاحنة التي عاشتها سوريا، بين الزمن الذي كانت فيه الفنون والموسيقى الراقية تعيش ربيعها، وبين خريف الفنون والمدن الذي تعيشه بلدان عربية كثيرة طحنتها الحروب والنزاعات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"