سقطة المعارضة التونسية

00:55 صباحا
قراءة دقيقتين

تتجه الأزمة التونسية إلى الانفراج بصعوبة متحدية رهانات داخلية وخارجية على تمديدها فترة أطول حتى تفجر «ثورة» جديدة وتطيح بالسلطة الحالية وتعيد إلى الواجهة الأحزاب التي لفظها الشارع قبل أكثر من عامين. ومرة أخرى يظهر الشعب التونسي أنه أكثر نضجاً ووعياً وحرصاً على وطنه من أغلب القيادات السياسية والمسؤولين الكبار. وتلك واحدة من المفارقات التي أحبطت مخططات التحريض وإذكاء الفتنة، وجعلت السلم الأهلي حصيناً لم تستطع نزعات التخريب والفوضى اختراقه.
  ما إن تغيّب رئيس البلاد قيس سعيّد عن الظهور الإعلامي بضعة أيام، لأسباب غير معلنة، حتى أطلق معارضوه سهامهم المسمومة وسعوا إلى إثارة الرأي العام بالحديث عن شغور رئاسي وفراغ كبير في الدولة. وبسرعة قياسية تحركت الماكينات الإعلامية «الإخوانية» في داخل البلاد وخارجها لصناعة أزمة دستورية، وانطلقت منصات، من هنا وهناك، تطلق الشائعات والتكهنات حول صحة الرئيس، وهناك من خرج على الناس وأقسم «بشرفه» أن الرجل مات سريرياً في المستشفى العسكري، متوقعاً أن عهده انتهى وأن «الديمقراطية»، التي وأدها تحرك 25 يوليو 2021، ستبعث من جديد، وأن المطاردين في قضايا الفساد والإرهاب والتآمر على الأمن العام سيعودون إلى مناصبهم في الأيام الخالية.
 الحلم، الذي عاشه غالبية مناوئي قيس سعيّد، لم يدم طويلاً. وبعد ساعات من محاولات الإثارة والتحريض ظهر رئيس الجمهورية مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن معافى لا تظهر عليه علامات المرض، ودعا القضاء إلى ملاحقة دعاة الفوضى والفراغ ممن أعمتهم مصالحهم السياسية وأجنداتهم الخاصة عن النظر إلى المصلحة الوطنية والذود عنها، خصوصاً في ظل وضع اقتصادي صعب تواجهه تونس وتقاومه بوعي الشعب الذي تحمّل الكثير من أعباء الغلاء والتضخم ونقص الغذاء، ولم ينخدع بما تبثه ألسنة المعارضين من قلب للوقائع وتزوير للعلاقات بين النتائج والأسباب. وآخر الدروس في هذا الوعي، السقوط المدوي لقصة «مرض الرئيس»، التي لم تلق أي تفاعل في الأوساط الاجتماعية، وستظل وصمة بجبين من اصطنعها وبنى عليها أوهاماً غايتها ضرب الوحدة الوطنية وإثارة البلبلة والفوضى، ومحاولة صناعة فرصة قد تمكن المحبطين من التسلل مجدداً إلى السلطة.
 ما حدث كان سقطة أخلاقية وسياسية كبيرة لمعارضي قيس سعيّد، على الرغم من تقصير رئاسة الجمهورية والحكومة في تقديم المعلومات الشفافة عن سبب غياب الرئيس تجنباً للشائعات وقطعاً لألسنة الفتنة ودعاة الإثارة في وضع شديد الدقة والحساسية. وللشغوفين بالتأريخ، يمكن اعتبار هذه الواقعة لحظة مفصلية أخرى في مسار تونس خلال هذه المرحلة. وبعد اكتمال مكونات النظام الدستوري بانطلاق عمل البرلمان الجديد، لم يبق أمام مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وعموم الشعب غير الانخراط في البناء وإعمار كل ما خربته التجربة السياسية السابقة إثر الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل أكثر من اثني عشر عاماً.    
   والثورة، التي تبناها الجميع بنوايا مختلفة، ظلت عقيمة ولم تثمر شيئاً إلى الآن، وأكثر ما يخشى أن تضيق الخيارات، كما ضاعت من قبل فرص قد لا تتكرر أبداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ytppyasc

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"