التضخم لا يرحم

21:35 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

مشكلة عرض السلع والخدمات اليوم نابعة من شح العمالة المتخصصة التي تطلبها الأسواق لنقل السلع عبر البحار والتي غادرت بسبب الكورونا. منها من توجه إلى قطاعات أخرى ومهن جديدة داخل الدولة أو خارجها. المطلوب زيادة إنتاج الغذاء كما المحروقات أيا تكن المصادر، وهذا يتطلب الوقت والتنظيم والاستثمارات وفتح كل قنوات النقل. لا يمكن إغفال مشكلة الزيادات السكانية حيث عدد الذين في عمر الإنتاج ينمو بنسب قليلة أو سلبية، ما يعني أن عمالة المستقبل ستكون أقل. هذا يعني أن الحاجة إلى أصول وأسواق اليوم ستتدنى.

في 2021، ساء تقدير مقرري السياسات الأمريكية لمخاطر التضخم وظنوا أن ملامحه ستكون عابرة ومؤقتة. يحاول المقررون أنفسهم اليوم تصحيح الأخطاء عبر تخفيض كبير للإنفاق وارتفاع سريع للفوائد.

هاتان السياستان ستؤديان على الأرجح إلى ركود في 2024 ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما عالميا أيضا. التأخر في مواجهة المخاطر التضخمية أضعفت ثقة الأسواق في المسؤولين والمؤسسات العامة، وبالتالي وجب التحرك بسرعة وقوة لاستعادة هذه الثقة. كما أن التوقعات التضخمية ما زالت مرتفعة والقلق كبير وهما من أصعب الأمور التي تواجه مسؤولي السياسات العامة.

كيف يمكن إقناع المواطن والمؤسسة، كما الشركة، بأن التضخم سينخفض وبالتالي يخفضون توقعاتهم التي تؤثر في تصرفاتهم أي في التضخم نفسه؟

ليست الدول الصناعية وحدها التي تعاني التضخم بل معظم دول العالم. لبنان يعاني كثيراً ارتفاع الأسعار وعدم مجاراة الدخل الفردي لها.

أوضاع المواطن اللبناني المعيشية تتردى في ظل الشلل السياسي الحاصل. تركيا في مأزق كبير حتى بعد التجديد لأردوغان وتعيين سيدة لقيادة السياسة النقدية، لكن كبر الاقتصاد وارتباطه العميق بالدول الأوروبية يخفف الأوجاع. لا أحد يحسد سريلانكا التي رفعت فوائدها دون جدوى في وقت لم يعد لها احتياطي نقدي حتى لشراء أبسط الحاجات من محروقات وغذاء.

في الولايات المتحدة يتم التركيز على تحديث البنية التحتية عبر القانون الذي يسمح بإنفاق 2,3% من ناتج 2022 لتحسين الطرق والنقل العام والمرافق والمياه والكهرباء. الهدف تطوير الطاقات الإنتاجية التي تسمح بزيادة الإنتاج.

كيف يحصل الركود التضخمي المرجح؟ من الممكن أن يبقى الطلب الاستهلاكي مرتفعاً دون تجاوب العرض وبالتالي ترتفع الأسعار مع شح في السلع والخدمات.

الحلول المتوافرة لأوضاع كهذه ليست كثيرة ما يفسر استعجال المصارف المركزية في رفع الفوائد تجنباً لحصول مأزق. هنالك أمور أساسية لا بد من إيجاد الحلول لها لمواجهة التضخم.

أولاً: تخفيف الاعتماد على الصين في إنتاج كل أنواع السلع وخاصة الإلكترونيات أي توزيع العرض.

ثانياً:لا بد من مواجهة النزعات التشاؤمية من قبل المواطن والشركات التي تدفعهم إلى تسريع حصول التضخم. يجب طمأنتهم عبر الرسائل التي يقوم بها المسؤولون النقديون والماليون، كما السياسيون عموماً.

أخيراً، يجب إعادة ثقة المتعاملين والمؤسسات بالسلطات المالية والنقدية بحيث يتجاوبون مع ما تقوله وتقرره لهم.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ymkerpy

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"