المعارك العبثية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

الاختلاف حول أية قضية من طبائع البشر وعلامات صحة المجتمعات والعقول، إلا إذا تحول الأمر إلى نوع من المعارك العبثية التي تتفرع من حرب كبرى كتلك التي تعانيها المنطقة والعالم الآن في الأراضي الفلسطينية. والعبثية تتأتى من قدرة بعض التجمعات العربية على تشتيت الجهود بعيداً عمّا يجب أن تركز عليه، وصرف الأنظار عن الأهداف التي توحد في مواجهة خطر مرشح للتفاقم إذا قُدر لهذه الحرب أن تتسع في ساحتها الأولى أو في ساحات أخرى خارجها. وحتى إذا بقيت الحرب قاصرة على طرفيها الرئيسيين، فإن غاية الجهود المبذولة هو تطويق آثارها ومنع قائمة ضحاياها من أن تطول، أي أن وقفها في أقرب وقت ممكن هو الهدف الذي يسعى إليه العقلاء وأصحاب المساعي المخلصة في المنطقة والعالم.

بعيداً عن هذا الهدف، ينشط تجار المآسي، وتجد الجماعات المهزومة شعبياً والمفلسة سياسياً أبواباً للعودة بشعاراتها البائرة وتحريضها المفضوح، مستغلة المشاعر المتدفقة مع خيوط الدم العربي في غزة، لتثبت هذه التيارات والمصرون على رعايتها أن الدم، حيثما سال، غذاؤهم المفضل.

المفزع أن هذه التيارات تجرّ خلفها من يتخلون عن عقولهم طواعية في أوقات الشدة ويتحولون إلى مجرد ألسنة لها تردد بلا وعي كل ما يجافي الحقائق المستقرة زمناً؛ بحيث لم تعد بحاجة إلى ما يؤكدها. من أسف أن هذه الألسنة الموزعة على وسائط الإعلام، قديمها وحديثها، تسلّم إرادتها لمحترفي التزييف والتحريف والاجتزاء وخلط بعض الحق بكثير من الباطل لإنتاج بضاعة جديدة لا يفسدها الهوى وسوء المقصد، كما يفترض، وتزاحم المستقر من الحقائق.

يجد المنساقون خلف هذه التيارات كل الوقت للاجتراء على الحقائق وتمرير خبائثهم في كل القنوات من دون أن يقفوا لدقائق عند ما يقوله تاريخ هذا البلد أو ذاك في نصرة القضايا العربية، والإنسانية عموماً، وفي القلب منها القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من كل صور التكنولوجيا التي بين أيديهم ويجدون فيها عوناً على محاولات بائسة لتشويه المواقف وأصحابها، فإنهم لا يستخدمونها في العودة إلى السجلات وقراءتها، ليس لأنهم لا يحسنون ذلك، لكن لأن الغرض يعمي الأبصار والبصائر.

صحيح أن بعض الزيف يحتاج إلى مواجهة عاجلة، رحمةً بمن يربكهم فلا يستطيعون التمييز في أوقات اختلاط الحابل بالنابل كالتي نحياها، لكن الجهد المبذول في التصويب والإيضاح أولى به السعي المتواصل إلى محاصرة النيران المهددة للجميع. لا يجوز الوقوف طويلاً عند صناع المعارك العبثية والمتكسبين منها، فحروبنا الكبرى أهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/274r3axh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"