لبنان والقرار 1701

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري
يمكننا اختصار ما يعانيه لبنان حاليّاً بكلمتين: «التأقلم والترقيع الداخلي» وتلقّف نصائح الموفدين كي لا تتدهور الأوضاع وتخرج عن السيطرة في الجنوب اللبناني. يرتبط الجواب الوحيد بالقرار 1701 الذي عاد يبرز عنواناً للاهتمام المحلي والإقليمي والدولي، والذي اعتبر لدى صدوره عن مجلس الأمن وبالإجماع عقب حرب مُكلفة مع إسرائيل في 11 يوليو/تموز 2006 دامت 33 يوماً من أغرب القرارات وأعقدها في المواقف الدولية.

تضعنا المتابعة الدقيقة لقرارات مجلس الأمن أمام معضلة التنفيذ، فقد أصدر المجلس القرار التاريخي بالانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من لبنان واحترام سلامته وسيادته الإقليمية داخل حدوده المعترف بها دولياً. استجاب لبنان بإنشاء قوة مؤقتة للأمم المتحدة بإشراف المجلس الذي أوكل إلى أمينه العام تقديم تقريره حول تنفيذ القرار خلال 24 ساعة. راح بعض السياسيين يتندّرون بوصف مجلس الأمن ب«مطبعة الأمن الدولي»، مع أنّه كان لا يجوز الاستهانة إطلاقاً بمخاطر ال 1701 في الصراع اللبناني الإسرائيلي الذي وافقت الحكومة اللبنانية على حلّه بالإجماع؛ لأنّ منطوقه يهدّد لبنان تطبيقه بالقوة، وفقاً للفصل السابع.

تكشّف هذا القرار، وكأنّه الصيغة اليتيمة بتاريخ مجلس الأمن؛ إذ دمج تطبيقه مع كلّ القرارات التي سبقته من ال425 وال426 حتى ال 1559 وال 1655 وال1680، وكلّها تتمحور حول نقطة واحدة عنوانها كيفية نزع سلاح المقاومة. قيل ويُقال اليوم وسيقال الكثير حول القرار وإمكانية الإتيان بقوّات متعددة الجنسيات وفقاً للفصل السابع.

هكذا بقي اللبنانيون أمام التباسٍ وسرّية وتخوف وتنازع محلي وإقليمي ودولي حيال القرار الذي يحضر مجدّداً لأسباب لم تتغير:

1- لأنه من أطول النصوص في قرارات مجلس الأمن وأكثرها تشعباً عبر فقراته التمهيدية والتنفيذية، بما يخفي إرباكاً في مضامين تطبيقه وآلياتها.

2- تأسس النص إثر دهشة أممية في ال2006، فتزاحمت الأفكار والنصوص بُغية ضمان الاستقرار في جنوبي لبنان حتّى أنّ دولة كألمانيا وجدتها مناسبة ذهبية آنذاك للتكفير عن «الخطايا المتراكمة» عليها ديوناً لإسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية.

3- عرض ديفيد ولش مساعد وزير الخاجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط في 8 أغسطس/آب 2006 مشروعاً لقرار أمريكي عملاً بالفصل السابع كما جاء في البندين 9 و11 للمشروع، مع الإقرار بأن ما يحصل في لبنان سيشكّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين، مقترحاً وقف إطلاق النار، واحترام الخط الأزرق وحظر السلاح لغير الحكومة اللبنانية وترسيم الحدود مع سوريا. وعرضت فرنسا نصّاً لقرار آخر تمّ تعديله لمرّات جاء في البند 8 من صيغته الأخيرة «موافقة لبنان وإسرائيل السماح بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بنشر قوة دولية لدعم الجيش اللبناني وتأمين بيئة آمنة جنوبي الليطاني..»، وبناءً عليه دعا المشروع الأمريكي الفرنسي في مسودته الأخيرة إلى «إنهاء كامل الأعمال العدائية، وإنشاء منطقة عازلة دولية بين الخط الأزرق والليطاني»، ولهذا الخوف المتجدّد أوفدت فرنسا وزيرة خارجيتها كاترين كولونا إلى إسرائيل، الأحد، ثمّ إلى لبنان، الاثنين، لتبليغ لبنان جملة وحيدة: «الوضع خطِر جدّاً، وإذا غرق لبنان في الحرب فهو لن يتعافى».

تقع هذه البنود كلّها في الفصل السابع الذي يفترض ثلاث مراحل تتدرّج صعوداً، أوّلاً بفضّ النزاعات سلميّاً (مادة 40)، وإلاّ يفرض المجتمع الدولي عقوبات وحصاراً جزئيّاً أو كلّيّاً على الطرف المخالف (مادة 41)، وفي حال عدم التجاوب يعلن المجتمع الدولي حربه على الطرف المحالف، ما يقتضي حضوراً عسكرياً دولياً لفضّ النزاعات (مادة 42)، مع الإشارة بالترابط المُحكم بين الفصلين 6 و7؛ لأن قرارات الفصل السادس تفضّ النزاعات بالطرائق السلمية وبموافقة جميع الأطراف المتنازعة، ليبدو الفصل السادس كامناً في المادة 40 من الفصل السابع.

ماذا سيفعل لبنان إن بدأ باستحضار القوات الدولية وفقاً للمادة 41، وأوكل الأمر الى الطرف المحلي الحاكم في لبنان؟

الجواب: لن يفعل شيئاً؛ لأنه ينام على الستة أو السبعة وحتى على السبعة ونصف.... لا فرق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5bdjkmyw

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"