لماذا نلوم الإعلام الغربي؟

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

صحيح أن الحقيقة هي أول ضحايا الحروب، لكن من بين مهام الصحافة والإعلام معادلة حملات الدعاية والتضليل والدس المعلوماتي لتقديم خدمة معرفة موضوعية نسبياً. من الصعب طبعاً الحديث عن حياد مطلق، حتى في حالات السلم، فما بالك بحالات الحرب والصراع. لكن المهنية تتطلب قدراً معقولاً من الموضوعية، بمعنى ألا تكون الصحافة المهنية مثل مواقع التواصل مجرد قناة توصيل لكل شيء وأي شيء حتى لو كان واضحاً أنه مزيف.

ذاك هو الفارق بين أن تقرأ أو تسمع أو تشاهد شيئاً على مواقع التواصل وبين أن تطّلع عليه في منفذ إعلامي. فالمفترض أن الأخير به قدر من المصداقية لأن هناك صحفيين يدققون ويمحّصون ويَزِنون القصص برواية أطرافها وليس من طرف واحد، وبالتالي لا ينشرون أو يبثون إلا ما هو أقرب للواقع.

منذ بداية حرب أوكرانيا العام الماضي وحتى حرب غزة الآن، انهارت الثقة تقريباً في كل منافذ الإعلام الكبرى وأصبح ما يتلقاه الناس منها لا يختلف كثيراً عن افتراءات مواقع التواصل.

إذا كان اللوم زاد للإعلام الغربي، باعتباره المسيطر وينقل عنه بقية إعلام العالم تقريباً بما فيه العربي، في السنوات الأخيرة فإن هذا الوضع المتدهور يعود إلى سنوات سابقة ربما منذ نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن. لم يكن ذلك واضحاً تماما لأن سبل الانتشار لم تكن بهذه الكثافة الحالية مع توسع اتصال الناس بالإنترنت.

كان أوضح مثال على ذلك غزو واحتلال العراق مطلع هذا القرن، ونشر بالفعل في الولايات المتحدة الكثير مما كشف الزيف والتضليل من قبل الإعلام في الترتيب لتلك الحرب وخلالها وما بعدها.

حتى أبناء المهنة أنفسهم، ومنهم صحفيون كبار وبعضهم أصبح الآن يتبوّأ مواقع ريادية في مؤسسات ومنافذ الإعلام ليس في بريطانيا وحدها بل في أنحاء العالم ومنه عالمنا العربي، لم يمارسوا أي نقد ذاتي للدور الذي قاموا به في ترويج الأكاذيب والتضليل المعلوماتي المتعمد دون أي ممارسة أي مهنية في التفكير النقدي أو محاولة موازنة القصص الإخبارية.

هناك حالة وحيدة ربما، فبعد أربع سنوات من غزو واحتلال العراق عام 2003 لم يجد صحفي بريطاني الشجاعة للاعتذار عن تضليله الجماهير سوى ديفيد روز الذي كتب مقالاً في «نيو ستيتسمان» كشف فيه أنه مثله مثل غيره من الصحفيين كانوا يقومون بدور تضليلي ودعائي لصالح الحكومة. ومن بين ما كتبه: «نادم بقية عمري على أني أيدت غزو العراق، بشكل شخصي وفي كتاباتي الصحفية».

الآن، لن تجد سوى صلف وعنجهية التحيز الواضح. ليس لأن الصحفيين لا ينقلون إلا من مصدر واحد، وهو في الأغلب إسرائيل، ولكن لأنهم لا يدققون فيما ينقلون بل أحياناً يتحمسون فيزايدون على الجانب الواحد للقصة.

لكن طبعاً نوجّه اللوم الأكبر للإعلام الغربي، ذلك لأننا طالما توقعنا منه المصداقية أكثر من إعلامنا واعتمدنا عليه كمصدر موضوعي إلى حد كبير. حتى بعد حرب العراق وما اتضح بعدها من دور تعبوي تضليلي لذلك الإعلام الذي لم يكن سوى بوق للتلفيق السياسي الغربي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bdepsnef

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"