عام اختبار الديمقراطية

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ربما يدخل العام الجاري التاريخ كأول عام في تاريخ البشرية يجرى فيه هذا العدد من الانتخابات في ذلك العدد من الدول. فالاتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية العامة، ستجرى في أكثر من سبعين بلداً، من بينها ثمانية من أكثر بلدان العالم تعداداً للسكان، ويشارك فيها أكثر من نصف البالغين حول العالم، أي نحوا ملياري ناخب. كل ذلك يجعل العام 2024 عام الانتخابات الأكبر في التاريخ.

فهل سيعتبر هذا العام عرس الديمقراطية الأكبر في التاريخ؟ ليس بالضرورة بالطبع، إنما ربما يكون الاختبار الأكبر للديمقراطية التي تتراجع باطراد في نصف القرن الأخير. فحسب تقرير حديث لمعهد «في- ديم»، فإن الديمقراطية التي يتمتع بها المواطن العادي في العالم وصل مستواها، العام قبل الماضي، إلى ما كانت عليه عام 1986. أما مبادرة الوضع العالمي للديمقراطية الخاصة بالمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية في السويد، فوجدت أن العام الماضي كان سادس عام على التوالي، تتدهور فيه الديمقراطية في نصف دول العالم، وهي أطول فترة تدهور منذ بدأ المعهد يسجل وضع الديمقراطية في عالم عام 1975.

بدأت أول انتخابات في بنغلاديش في الأيام الأولى من العام، حيث فازت الشيخة حسينة بفترة حكم أخرى. تليها انتخابات في تايوان قبل منتصف الشهر الجاري، وينظر إليها على أنها مهمة في ضوء التوتر مع الصين.

وتبقى الديمقراطيات الصاعدة، كما في جنوب إفريقيا والهند والمكسيك وإندونيسيا، التي تشهد أيضاً انتخابات هذا العام. ورغم التطور الديمقراطي في تلك البلدان كثيفة السكان فإن مؤسسات الدولة المستقلة تتعرض لضغوط شديدة تجعل الناس تفقد الثقة بالعملية الديمقراطية كلها. حتى في ما تصنف غربياً بأنها «ديمقراطيات» راسخة، كما في بريطانيا والولايات المتحدة، فالنتائج تقريباً شبه متوقعة. في بريطانيا لن يفوز حزب المحافظين الحاكم لأسباب كثيرة، ليس أقلها أنه يحكم منذ عقد ونصف العقد، وبالتالي سينصرف الناخبون عنه في تصويت احتجاجي تقليدي. أما الانتخابات الرئاسية الأمريكية فقد تبدو غير محسومة الآن. لكن إذا كان التنافس بين الرئيس الديمقراطي الحالي، جو بايدن، والرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، فالأرجح أن يفوز الأخير.

وهناك انتخابات محلية مهمة في تركيا أيضاً هذا العام، ستعتبر تحدياً لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان.

ربما تكون أكبر انتخابات هي التصويت في كل دول الاتحاد الأوروبي لاختيار نواب البرلمان الأوروبي منتصف هذا العام. وحتى تلك الانتخابات التشريعية الأوروبية تبدو نتائجها مقدرة سلفاً، إذ يرجح أن يكون الفائز الأكبر فيها تيار اليمين، واليمين المتطرف.

لطالما اعتبر البعض تراجع الديمقراطية، خاصة في الدول الغربية، نتيجة لأن «المؤسسة» (أي إدارات وأجهزة الدولة والقوى الفاعلة فيها)، هي من تختار في النهاية، وما عملية التصويت من قبل الجمهور سوى استكمال شكلي لاختيارها. أي أن الديمقراطية التمثيلية ليست في النهاية تمثيلاً لإرادة الناس الحرة، وإنما تمثل نتائجها مصالح مراكز القوى من مؤسسات وأعمال. وبشكل عام يتراجع اهتمام الناس بالانتخابات، خاصة بين الأجيال الجديدة التي أصبحت في وضع لا مبالاة بالعملية السياسية كلها، بما فيها الانتخابات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4ush537k

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"