هل تنفصل ولاية تكساس الأمريكية؟

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ البشرية بدأت الثقافة العلمانية تفقد المبدأ المادي الذي يمسك بلبناتها، ويوحد بين أجزائها، ويحفظ عالمها من التفكك والانهيار، على الرغم من أنه لا أحد يستطيع أن ينكر ثمرات العلمانية الليبرالية، بخاصة معطياتها الثقافية والعلمية.

فهناك إنجازات اتخذت طابعاً اجتماعياً شاملاً، تجاوزت بالإنسان العصر الصناعي إلى عصر جديد، وجعلت الترابط العقلاني بين الإنسان وأخيه الإنسان ما مكّنه من الاندماج، أو الذوبان في المجتمع والدولة الواحدة، ذلك الانتماء الذي يضمن ارتباطاً داخلياً يحوّل العضوية في الجماعة إلى تفاعل حيوي مصيري. وإذا كانت النقطة الفاصلة في قضية الانتماء هي الهوية الجماعية العليا، لكن الاقتصاد القوي والرفاه العام له دور أساسي في تعميق شعور الانتماء، وكلما تراجع الاقتصاد ضعف الشعور بالهوية الجماعية العليا.

وما يحدث في الولايات المتحدة من تراجع اقتصادي متواصل يجسد تلك الحقيقة، حيث تعالت الدعوات الانفصالية في تلك الدولة الاتحادية، وفي مقدمتها ولاية «تكساس»، التي ظهرت فيها، منذ تسعينات القرن الماضي، مساع تروّج لانفصالها عن دولة الاتحاد. وتأسست في ذلك الوقت «منظمة جمهورية تكساس» التي زعمت أن الولايات المتحدة ضمت تكساس إليها بشكل غير قانوني. ومن ثم تأسست «حركة تكساس القومية» التي آثرت الحلول السياسية. وقالت هذه الحركة، إن هدفها هو تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي التام لتكساس. وقبل عامين، دخلت فكرة الانفصال في نسيج الخطاب السياسي للحزب الجمهوري، أحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. وتقدم أحد أعضاء مجلس نواب ولاية تكساس عن الحزب الجمهوري بمشروع قانون لإجراء استفتاء على انفصال الولاية عن الاتحاد، ولكن لم يتم التصويت عليه، أو تُحدَد له جلسة استماع من قبل المجلس.

وفي العام ذاته، كتب المفكر ريتشارد كرايتنر، المتخصص في تاريخ الانفصالية في الولايات المتحدة، أنه حان الوقت «لأخذ الحديث عن الانفصال على محمل الجد». وأظهرت دراسة أجرتها مجموعة من الباحثين من جامعات أمريكية عدة، أن الفكرة يؤيدها ثلث الجمهوريين في مختلف الولايات الأمريكية، وأكثر من نصف الجمهوريين في الولايات الكونفيدرالية السابقة. وفي العام الماضي، تبنى مؤتمر الحزب الجمهوري لولاية تكساس، منصة تحثّ الهيئة التشريعية على إجراء استفتاء أمام شعب تكساس «لتحديد ما إذا كان يجب على ولاية تكساس إعادة تأكيد وضعها كدولة مستقلة، أم لا».

ورفع مؤتمر الحزب الجمهوري عن تلك الولاية شعار «تيكست TEXIT» على منوال «بريكست Brexit» البريطاني. وعلى الفور سارع بعض السياسيين والمحللين الأمريكيين إلى القول باستحالة انفصال هذه الولاية، وأن القانون لا يسمح بذلك، لكن إذا كان حامي القانون «الحزب الجمهوري» الذي يمثل نصف الدولة الأمريكية، هو الذي يدعو إلى إجراء ذلك الاستفتاء، فكيف يمكن لجهة رسمية أن تقف في وجهه؟

وأيضاً لا يوجد في الدستور الأمريكي نص يمنع ولاية من الخروج من الاتحاد، وينص الدستور أيضاً على أن «السلطات لا يفوضها الدستور للولايات، لكنها محفوظة للولايات نفسها، أو للشعب». وهكذا يترك الدستور قرار البقاء في الاتحاد من عدمه للشعب في هذه الولاية، أو تلك. وقد كان الانفصال والاستقلال من الموضوعات الدائمة طوال تاريخ ولاية تكساس، التي كانت ضمن دولة المكسيك، ومن ثم انفصلت عنها في عام 1836 وأصبحت جمهورية مستقلة قبل أن يتم ضمها من قبل الولايات المتحدة. ومن ثم انفصلت خلال الحرب الأهلية وانضمت إلى كونفيدرالية الجنوب، ومن ثم أعيدت إلى الاتحاد بعد انتصار ولايات الشمال. ورغم أن الاستفتاء لم يحدد موعده حتى الآن، ولكن في ظل التطورات السياسية المشحونة في الولايات المتحدة، فإن دعاة الاستقلال سوف يصبحون أكثر قوة للمضي قدماً في مشروعهم لفصل الولاية عن دولة الاتحاد، وجعلها دولة مستقلة بشكل كامل.

وإذا تحقق ذلك، فإنه يعني البداية لتسلك ولايات أخرى، مثل كاليفورنيا، التي فيها نزعة استقلالية قوية، ذات المسار بهدف تحقيق الاستقلال، ما سيؤدي إلى انفراط عقد اتحاد الولايات الأمريكية وانتهاء تأثيرها في العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3upcrtfu

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"