هل تموت الفلسفة؟

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

في كتاب بعنوان «الفيزياء والفلسفة»، يطرح مؤلفه العالم جيمس جينز، أطروحة يذهب فيها إلى أن اكتشافات الفيزياء والرياضيات والفلك، ستزيح الفلسفة عن عرش التفكير النظري المجرد. فالتطور غير المسبوق الذي حققه البشر في تلك الحقول بات بإمكانه أن يجيب عن أسئلة الإنسان الأساسية في ما يتعلق بالكون وحدوده، وهل العالم ذهني أم مادي؟ وكيف ندرك علاقتنا بالزمان والمكان؟ بل هل يستطيع هذا التطور أن يدلي بوجهة نظر موزونة في مسألة حرية الإنسان، هل هو مسيّر أم مخير؟ وكلها أسئلة كانت حكراً على الفلسفة على مدار التاريخ.

ليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها أحد العلماء بطرح هذه الفكرة، ففي عام 2011 أعلن ستيفن هوكينغ عن «موت الفلسفة»، وفي بدايات القرن العشرين سببت أفكار أينشتاين: النسبية، وهايزنبرغ: مبدأ الريبة، شكوكاً حول الفلسفة وقدرتها على تفسير ظواهر العالم الأساسية، ولكن محاولات التشكيك السابقة خلال القرن الماضي لم تمنع ازدهار الفلسفة، وتأسيس مذاهب ونظريات كبرى. الخطورة على الفلسفة جاءت مع هوكينغ، وكل من يسير على دربه، حيث تزامن ذلك مع عوامل كثيرة تؤثر بالسلب في تعاطينا مع الفلسفة وحاجتنا إليها خلال العقود القليلة الماضية.

نحن نعيش في مناخ تتضافر فيه عوامل عدة، ضد الفلسفة، منها ما كتبه العديد من المفكرين ونظّروا له طويلاً، ويتعلق بموت الأفكار الكبرى، وموت المؤلف والناقد، ومنها ما يرتبط بتحولات معرفية وثقافية تصاحب عصر التكنولوجيا فائقة الحداثة، والتي يبدو أنها تخاصم أي أطروحات ثقيلة الوزن، وهناك عوامل تتعلق بمسار الفلسفة نفسه، والذي تحول منذ سبعينات القرن الماضي من طرح الأفكار الموزونة والمؤثرة، إلى نقاش حول اللغة وطرائق التعامل مع النصوص والسرديات الكبرى في البنيوية والتفكيكية، أي أن الفلسفة نفسها بدا كأنها تبتعد عن أسئلتها التاريخية.

والآن، نحن على موعد مع ضربات جديدة تتلقاها الفلسفة، ولكن من جانب العلم هذه المرة، ويصبح السؤال المطروح للنقاش هل يرث العلم الفلسفة؟ وهل بإمكانه تقديم إجابات من العيار الثقيل حول قلق البشر الدائم تجاه الواقع والمصير، ورغبتهم في تحقيق السعادة، وبحثهم عن الحق والخير والجمال، مع ملاحظة أن هناك قطاعات بحث درستها الفلسفة، ولم يدخلها العلم، أو تماس معها برفق، مثل السياسة والمجتمع. وحتى الآن لا تزال المقولة الشهيرة حول علاقة العلم بالفلسفة وجيهة: «فإذا كان العالم هو من يخترع القنبلة الذرية، فإن الفيلسوف هو من يدير نقاشاً حول أخلاقية استخدامها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4r5pud35

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"