سياسات بكين المنفتحة

21:19 مساء
قراءة 3 دقائق

نايجل غرين*

بينما تُصارع الصين تراجع الأسهم والتحديات الاقتصادية، فإن التحرك الأخير لتشديد القيود التجارية يشير إلى جهود متضافرة من جانب السلطات لتحقيق الاستقرار في الأسواق.

في المقابل، ارتفعت سندات الحكومة الصينية وسط توقعات السوق بأن بنك الشعب الصيني سيخفف السياسة النقدية قريباً لدعم الاقتصاد المتعثر. وجاءت التوقعات المتزايدة للتخفيف النقدي بعد الانخفاض الكبير في احتياطيات المصارف، وفشل تعليق إقراض الأسهم المقيد، والذي يمكن استخدامه للبيع على المكشوف، في عكس مسار الانخفاض المطول في الأسهم بشكل كبير.

ودفع التداول الفوضوي، الذي أدى لانخفاض الأسهم إلى أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات، صُناع السياسات إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم. ويتطلب التأثير التراكمي لثلاث سنوات من الانكماش الاقتصادي، والذي محا قيمة مذهلة بلغت 7 تريليونات دولار من النمو، الابتعاد قدر الإمكان عن التدابير البسيطة غير المؤثرة. بالتالي، لقد حان الوقت لكي تتبنّى بكين خطوات أكثر جرأة وانفتاحاً مع توجهات دولية أوسع وشفافية أوضح، لإحياء النمو واستعادة الثقة في ثاني أكبر اقتصاد عالمي.

وفي جوهر استراتيجية عودة الانتعاش، يجب أن نلمس التزام بكين الواضح بالانفتاح والتعاون الدولي. فالقوة الاقتصادية للصين لطالما ازدهرت من خلال المشاركة والانخراط العالميين، ولن يؤدي التأكيد المتجدد على سياسة الباب المفتوح إلى جذب الاستثمار الأجنبي فحسب، بل سيسهل أيضاً تبادل الأفكار والتقنيات.

لقد أدت الحملة التنظيمية الغامضة الأخيرة ضد القطاع المالي الصيني إلى شعور المستثمرين المحليين والدوليين بالقلق. ويتعين على بكين أن تدعم بيئة تنظيمية خصبة، وتوفر توجيهات واضحة بشأن الإصلاحات والسياسات.

ومن شأن الحوار المفتوح مع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الصناعة المالية والشركاء الدوليين، أن يعزز الثقة ويخفف من حالات عدم اليقين. كما تتطلب معالجة البيانات الاقتصادية الضعيفة اتباع نهج شمولي يركز على تحفيز الاستهلاك المحلي وتعزيز الابتكار. ويتوافق هذا النهج مع الطبيعة المترابطة للاقتصاد العالمي الحديث، إذ يؤدي التعاون غالباً إلى نتائج مفيدة للأطراف.

وتمتد سياسة الباب المفتوح إلى ما هو أبعد من العلاقات الدولية لتحتضن بيئة أعمال تشجع ريادة الأعمال والإبداع. ومن خلال إنشاء نظام بيئي داعم للشركات الناشئة والصغيرة، تستطيع الصين تنويع مشهدها الاقتصادي وتوليد نمو مستدام يتعايش مع الأجيال القادمة.

في غضون ذلك، تمثل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وخاصة مع الولايات المتحدة، تحديات كبيرة لمشهد الاستقرار الاقتصادي العالمي عموماً والصيني خصوصاً. ويتعين على بكين وواشنطن تبني نهج عملي ودولي في التعاطي المتبادل مع الدبلوماسية، وأن تبذلا جهدها في التوصل إلى حلول من خلال الحوار بدلاً من المواجهة والحمائية.

فإعطاء الأولوية للتعاون في مواجهة التحديات المشتركة، مثل تغير المناخ والصحة العامة، من شأنه أن يخلق بيئة مواتية للانتعاش الاقتصادي بين الأطراف المتنازعة مع حسن نوايا متبادل.

ولا ننسى أيضاً أزمة العقارات المتفاقمة في البر الرئيسي، وهي عامل حاسم آخر في المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الصين، الأمر الذي يتطلب تدخلاً جريئاً وشفافاً. وينطوي النهج الاستباقي في هذا السياق على التعاون مع صناعة العقارات لتنفيذ تدابير التحفيز المستهدفة.

ومن الممكن أن يساهم تخفيف القيود المفروضة على مشتري المساكن، وتشجيع ممارسات التنمية المستدامة، وضمان الوضوح التام في المعاملات العقارية، في استقرار القطاع ومنع حدوث تداعيات اقتصادية أوسع نطاقاً.

وفي السياق، لا يقتصر التزام بكين بتطبيق نهج شامل على جذب الاستثمار الأجنبي فحسب، بل يتعلق أيضاً بخلق بيئة متنوعة وداعمة للأعمال المحلية. وينبغي للحكومة أن تُسرع في تنفيذ الإصلاحات التي تبسط العمليات البيروقراطية، وتقلل من الروتين، وتعزز سهولة ممارسة الأعمال. فالموقف الدولي الحالي يتطلب التعلم من أفضل الممارسات العالمية لبناء نظام بيئي اقتصادي أكثر كفاءة وتنافسية.

وبالإضافة إلى هذه التدابير الاستراتيجية، فإن نشر سياسات مالية ونقدية أكثر جرأة يمكن أن يوفر دعماً حاسماً في الوقت المناسب للتعافي. وتجدر الإشارة إلى أن الحوافز المالية المستهدفة، إلى جانب التواصل المرن بشأن نوايا الحكومة، ستعمل على تعزيز ثقة المستثمرين ورفع معنوياتهم.

كما ينبغي أيضاً تعديل أسعار الفائدة وإجراءات السيولة بحكمة لتحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية قصيرة الأجل والاستقرار المالي على المدى الطويل.

لقد حان الوقت الآن لكي تتولى بكين زمام القيادة الدولية بوضوح وانفتاح تامّين، مع الالتزام بالازدهار العالمي التعاوني والبنّاء.

* المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية (آسيا تايمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ye2z3bps

عن الكاتب

المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"