النزوح المناخي

تحديات أخلاقية وسياسية مستقبلية
00:08 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
لاجئون هنود

عن المؤلف

الصورة
1
جيمي دريبر
جيمي دريبر، أستاذ مساعد في معهد الأخلاقيات، قسم الفلسفة والدراسات الدينية، جامعة أوتريخت (هولندا).
في السابق، كان زميلاً لأبحاث جائزة ما بعد الدكتوراه في السياسة في كلية نوفيلد (أكسفورد).
تركز أبحاثه على الهجرة وتغير المناخ والسياسة الحضرية.

يعيد تغير المناخ تشكيل أنماط النزوح العالمي، ويجبر الناس على الانتقال بسبب الظواهر الجوية المتطرفة، تدهور البيئة، وارتفاع مستوى سطح البحر، ويترافق معه تحدٍ أخلاقي يجب التصدي له. يطور هذا الكتاب نظرية سياسية للنزوح المناخي، متجاوزاً التركيز المحدود على «لاجئ المناخ» لاستكشاف التعقيدات الأخلاقية والسياسية للنزوح في عدة سياقات.

يجبر تغير المناخ المجتمعات على الانتقال إلى أماكن أخرى، كما تؤدي المخاطر التي يتعرض لها الأمن الغذائي والموارد إلى تفاقم مصادر عدم الاستقرار السياسي. يمثّل النزوح الناجم عن تغير المناخ - وهو نزوح الأشخاص المدفوعين جزئياً على الأقل بتأثيرات تغير المناخ - تحدياً أخلاقياً. تميل معظم الأعمال المتعلقة بالنزوح المناخي إلى التركيز على «لاجئ المناخ» المثالي. لكن التركيز على شخصية «لاجئ المناخ» يحجب تعقيد وعدم تجانس النزوح المناخي. يقول المؤلف: «أصبح الحديث عن لاجئي المناخ الآن موجوداً في كل مكان في الخطابات الأكاديمية والسياسية والشعبية. ظهر مفهوم لاجئ المناخ في الأوساط السياسية مع تزايد المخاوف بشأن تغير المناخ في الثمانينات، على خلفية الإهمال النسبي للبيئة كسبب للنزوح في دراسات الهجرة. ومنذ ذلك الحين، انتشر استخدامه. في بعض الأحيان، يتم استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى أي شخص يمكن ربط نزوحه بتغير المناخ. ولكن في المقترحات الخاصة بمعاهدة اللاجئين المناخيين، يلعب هذا المفهوم دوراً محدداً: فهو يختار مجموعة من الأشخاص الذين يستحقون وضعاً قانونياً معيناً، مع مجموعة من الحقوق».

الصورة
1

المشكلات الأخلاقية والسياسية

يتخذ هذا الكتاب الديناميكيات التجريبية للنزوح المناخي كنقطة انطلاق له، ويعاين المشكلات الأخلاقية والسياسية التي يثيرها التفاعل بين تغير المناخ والنزوح في خمسة مجالات: إعادة توطين المجتمع، والسيادة الإقليمية، وهجرة اليد العاملة، وحركة اللاجئين، والنزوح الداخلي. وفي كل سياق، يثير النزوح المناخي أسئلة يستكشفها هذا الكتاب بشروطه الخاصة. وفي الوقت نفسه، يتعامل الكتاب مع النزوح المناخي باعتباره ظاهرة موحدة من خلال دراسة الأسئلة الشاملة المتعلقة بالمسؤولية والعدالة التي يثيرها. والنتيجة هي نظرية سياسية قائمة على التجربة، ترسم خريطة للتضاريس المفاهيمية للنزوح المناخي ومساراً لمواجهة التحدي الأخلاقي الذي يثيره.

يقول المؤلف: «اعتماداً على طبيعة القيود الهيكلية والظروف التمكينية، قد تكون الحركة أكثر استباقية أو تفاعلية. على سبيل المثال، عندما يرى الشخص الذي يكون عمله غير مستقر ويواجه التمييز في سوق العمل أن آثار تغير المناخ تضغط على قطاعه المهني، فقد يكون من الأرجح أن ينتقل إلى منطقة أخرى حيث يكون العمل متاحاً بسهولة أكبر والتمييز أقل على نطاق واسع، من أجل تأمين فرص عمله على المدى الطويل. وفي هذه الحالة، تؤدي القيود الهيكلية إلى شكل استباقي من النزوح، أو مثلاً فكر في شخص لديه رأس مال قليل ولا يحظى إلا بدعم قليل من الدولة، ويعيش في منطقة متأثرة بالظواهر الجوية القاسية، فهذا يعني أنهم غير قادرين على الاستثمار في الحماية من تأثيرات الطقس المتطرف، وبالتالي قد يكونون أكثر عرضة لمواجهة النزوح في أعقاب الأحداث المناخية المتطرفة، وفي هذه الحالة، تؤدي القيود الهيكلية إلى شكل من أشكال النزوح التفاعلي».

الصورة
1

ويضيف: «أستخدم مصطلح النزوح الاستباقي للإشارة إلى الحركة التي تتم بطريقة استباقية على نطاق واسع، وليس على طريقة رد الفعل. في سياق تغير المناخ، يحدث النزوح الاستباقي قبل حدوث آثار تغير المناخ، ويكون موجهاً نحو تجنب ضررها. هذا الشكل من النزوح مخطط له، ولا يشكّل رد فعل على التأثيرات الضارة لتغير المناخ. ويستخدم الهجرة كوسيلة للتخفيف من ضرر آثار تغير المناخ، إما عن طريق تجنب تلك الآثار أو عن طريق جعلها أقل ضرراً. وعلى النقيض من ذلك، أستخدم مصطلح النزوح التفاعلي للإشارة إلى الحركة التي يتم إجراؤها بطريقة تفاعلية على نطاق واسع، وليس بطريقة استباقية. في سياق تغير المناخ، يحدث النزوح التفاعلي عندما تظهر تأثيرات تغير المناخ ويتحرك الأفراد أو المجموعات بحثاً عن ملجأ من تلك التأثيرات، ولا يكون مخططاً، بل يكون استجابة تأقلمية تستخدم الحركة كوسيلة للهروب من الآثار الضارة لتغير المناخ».

ويرى أن التمييز بين النزوح الاستباقي والنزوح التفاعلي مفيد لأنه يحول تركيزنا بعيداً عن التمييز المختلف الذي يشغل اهتماماً مركزياً في المناقشات حول الهجرة والنزوح في النظرية السياسية: التمييز بين الحركة القسرية والطوعية. غالباً ما يميز المنظرون السياسيون بين المهاجرين الطوعيين أو «الاقتصاديين» والمهاجرين القسريين أو اللاجئين. ديفيد ميلر، على سبيل المثال، يصف المهاجرين الاقتصاديين بأنهم أولئك «الذين لا يطردهم الخوف من الاضطهاد أو بعض التهديدات المباشرة الأخرى لحقوقهم الإنسانية، ولكنهم ينجذبون إلى المزايا التي يقدمها مجتمعهم الجديد. ولكن في سياق تغير المناخ، من المرجح أن يقع الكثير من الناس في مكان ما بين «الانجذاب» إلى المزايا المتاحة في مجتمع جديد و»الطرد«بسبب تهديد مباشر.

يؤكد المؤلف أنه من المهم التمييز بين أشكال النزوح الأكثر استباقية وأشكال النزوح الأكثر تفاعلية بالنسبة لمن يفرون من التهديدات المباشرة مثل الأحداث المناخية المتطرفة أو الصراع السياسي. ويواجه أولئك الذين يواجهون النزوح الاستباقي تهديد الظروف المتغيرة التي تمنع الخيارات المتاحة لهم حتى تصبح الهجرة إما الخيار الوحيد أو خياراً جذاباً بشكل خاص. وعلى النقيض من ذلك، يجد من يواجهون التهجير التفاعلي أنفسهم مُقتَلعين فجأة من منازلهم. قد يكون الشكلان من الحركة لا إراديتين، لكن هذه ليست الحقيقة الأكثر أهمية بشأنهما، فالنزوح الاستباقي وردّ الفعل شكلان مختلفان نوعياً من النزوح، ما يثير مخاوف أخلاقية مختلفة.

سياقات التقاطع بين المناخ والنزوح

يميّز المؤلف بشكل أضيق بين العديد من السياقات العملية التي يتقاطع فيها تغير المناخ والنزوح، ويرى أن هناك خمسة سياقات مختلفة للنزوح المناخي التي يتناولها على مدار هذا الكتاب: إعادة توطين المجتمع؛ السيادة الإقليمية؛ هجرة اليد العاملة؛ النزوح الداخلي؛ وحركة اللاجئين. ويمكن تصنيف الثلاثة الأولى على أنها أشكال استباقية على نطاق واسع من النزوح، حيث يتم تنفيذها بشكل عام بطرق يمكن التخطيط لها وتوقعها. ويمكن تصنيف النوعين الأخيرين على أنهما شكلان من أشكال النزوح التفاعلي على نطاق واسع، حيث يظهران فجأة وبشكل غير متوقع في كثير من الأحيان. ويرى أنه من غير المرجح أن تكون هذه السياقات شاملة، نظراً لطبيعة تأثيرات تغير المناخ التي لا يمكن التنبؤ بها. لكن يشير إلى أن التمييز بين هذه السياقات يزودنا بخريطة مفاهيمية مفيدة للتضاريس الأخلاقية للنزوح المناخي، حتى لو ظلت مجرد مخطط تقريبي، ويتوسع في هذا السياقات قائلاً:

الأول هو نقل المجتمع. إعادة توطين المجتمع هو شكل من أشكال النزوح الذي يحدث عندما تصبح مناطق معينة غير صالحة للحياة كمواقع للسكن البشري، على سبيل المثال بسبب زيادة مخاطر الفيضانات المتكررة أو الانهيارات الطينية، أو فقدان الأراضي الصالحة للسكن مع انحسار الشواطئ. تخلق تأثيرات تغير المناخ مخاطر يمكن أن تجعل من الصعب على المجتمعات الراسخة البقاء في مكانها، لكنها نادراً ما تجبر المجتمع بشكل مباشر على الانتقال، لأن تأثيرات تغير المناخ يمكن تخفيفها في كثير من الأحيان من خلال التكيف في الموقع.

والثاني هو السيادة الإقليمية. تواجه شعوب الجزر الصغيرة تهديدات لصلاحية أراضيها للسكن بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار وابيضاض المرجان. قد يبدو هذا مجرد نسخة موسعة من إعادة توطين المجتمع، ولكنّ هناك فرقاً أخلاقياً مهمّاً بين هذه الحالات. وفي حالة الجزر الصغيرة، تتعرض مجتمعات سياسية بأكملها للتهديد. وفي الوقت الحاضر، توجد العديد من تلك المجتمعات السياسية كدول ذات سيادة إقليمية. ومع ذلك، فإن القاعدة الأرضية التي تمكنهم من ممارسة السيادة الإقليمية مهددة بتأثيرات تغير المناخ.

والثالث هو هجرة اليد العاملة. إن التأثيرات المناخية البطيئة الظهور، مثل ذوبان التربة الصقيعية، وتملح المياه الجوفية، والتصحر، والفيضانات أو حالات الجفاف المتكررة، يمكن أن تؤدي تدريجياً إلى تدهور الظروف البيئية الأساسية التي يعتمد عليها الناس في كسب عيشهم أو معيشتهم. غالباً ما تعمل هجرة اليد العاملة كاستجابة تكيفية لآثار تغير المناخ بالنسبة لأولئك الذين تتعرض سبل عيشهم للتهديد. ويمكن أن تتخذ هجرة اليد العاملة مجموعة متنوعة من الأشكال - محلية أو دولية، مؤقتة أو دائمة - اعتماداً على طبيعة التأثيرات المناخية المعنية وفرص الهجرة المتاحة.

والرابع هو النزوح الداخلي. يمكن للكوارث المفاجئة مثل الفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات والانهيارات الطينية أن تؤدي إلى النزوح. يزيد تغير المناخ من تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة. وتتوسط آثار مثل هذه الكوارث أيضاً نقاط الضعف الاجتماعية الموجودة مسبقاً. ومن المرجح أن يظل معظم الأشخاص النازحين بهذه الطريقة داخل حدود بلادهم، وبالتالي يتم اعتبارهم «نازحين داخلياً» بموجب الأطر القانونية والإنسانية الدولية القائمة.

والخامس هو حركة اللاجئين. بموجب القانون الدولي، يجب أن يكون لدى المهاجرين القسريين»خوف مبرر من الاضطهاد«على أساس بعض الخصائص المحمية مثل الدين أو الجنسية حتى يصبحوا مؤهلين كلاجئين. في بعض الحالات، قد تؤدي تأثيرات تغير المناخ إلى تضخيم المصادر الحالية لعدم الاستقرار السياسي وتساهم بشكل غير مباشر في المواقف التي يحدث فيها الاضطهاد. ولكن أبعد من ذلك، يعتقد بعض المنظرين أيضاً أنه ينبغي توسيع أساس وضع اللاجئ. إذا كانوا على حق، فإن أولئك الذين يفرون من دولتهم لأسباب أخرى، مثل فشل دولتهم في الاستجابة بشكل مناسب للحرمان الاجتماعي أو الكوارث المرتبطة بتغير المناخ، قد يكون لديهم أيضاً حق المطالبة بوضع اللاجئ.

الاستجابة للنزوح المناخي

يعلق الكاتب على السياقات الذكورة أعلاه قائلاً:»تثير هذه السياقات أسئلة أخلاقية مختلفة حول ما ندين به لأولئك النازحين في سياق تغير المناخ، ولكنهم على العموم متحدون أيضاً في علاقتهم المشتركة بتغير المناخ. إحدى الطرق لرؤية هذه السياقات المختلفة هي تعبيرات أو مظاهر مختلفة لتحول أكثر جوهرية يحدث في الخلفية التي نعيش حياتنا في ظلها: ظهور ما تسميه سيمونا كابيساني «عدم الاستقرار الإقليمي». هذه السياقات المختلفة هي أعراض في عالم لم يعد بوسعنا فيه أن نفترض وجود إطار إقليمي مستقر -إذا كان بوسعنا ذلك- ويجب علينا أن نواجه بشكل مباشر عدم الاستقرار الناجم عن تغير المناخ. بالنسبة لكابيساني، فإن نتيجة ذلك هي أننا يجب أن نجد طرقاً جديدة لحماية حق أساسي غير معترف به حتى الآن - «الحق في مكان صالح للعيش فيه» - والذي يواجه تهديدات غير مسبوقة. ويمكن النظر إلى الواجبات في سياقات مختلفة للنزوح المناخي على أنها تفسير لما قد يتطلبه هذا الحق فيما يتعلق بالطرق المختلفة التي تظهر بها مشكلة عدم الاستقرار الإقليمي في سياق تغير المناخ.

يوضح الكاتب أن هذه النظرة العامة لسياقات وديناميكيات النزوح المناخي تعطينا نقطة انطلاق نبدأ منها تحقيقاً معيارياً. ولكن قبل أن نبدأ في تطوير نظرية سياسية حول النزوح المناخي بشكل جدي، دعونا نتوقف للتفكير في سبب حاجتنا إلى مثل هذه النظرية في المقام الأول. يساعدنا هذا السؤال في الحصول على صورة أفضل للأسلوب الذي يجب أن نتبعه في بناء نظرية سياسية للنزوح المناخي. والسبب وراء حاجتنا إلى نظرية سياسية للنزوح المناخي هو أننا نواجه مشكلة التحدي الأخلاقي المتمثل في النزوح المناخي. إن ظهور النزوح المناخي يجعل من المستحيل بالنسبة لنا الاستمرار في العمل دون تفكير، والمشاركة في المؤسسات والممارسات التي نعتبرها عادة أمراً مفروغاً منه. في البداية، تبدو لنا مشكلة النزوح المناخي غير متبلورة، لكن البحث التجريبي والتأمل النظري يمكن أن يمنحها شكلاً أكثر تحديداً. تتمثل مهمة النظرية السياسية للنزوح المناخي في مساعدتنا على توضيح مشكلة النزوح المناخي والتغلب عليها، من خلال تزويدنا بالإرشادات حول كيفية مراجعة مُثُلنا ومبادئنا ومؤسساتنا وممارساتنا في ضوء التحدي الجديد الذي يواجهنا. إن وجهة النظر هذه لمهمة النظرية السياسية للنزوح المناخي تأخذ ما يمكن أن نسميه النهج القائم على المشكلة في التنظير المعياري.

يعتبر المؤلف إن واجبنا الأخلاقي الأول فيما يتعلق بالنزوح المناخي هو التوقف عن المساهمة فيه - عن طريق إجراء تحويل جذري لأنظمة الطاقة لدينا وأنظمة الإنتاج حتى نصل إلى صافي انبعاثات صفرية في أسرع وقت ممكن - وهذا الواجب لا يختفي عندما نركز على كيفية الاستجابة للنزوح المناخي، حتى لو لم يكن في المقدمة.

يتكون العمل من تسعة فصول هي: التحدي الأخلاقي للنزوح المناخي، ضد معاهدة لاجئي المناخ، تغير المناخ ونقل المجتمع، تغير المناخ والسيادة الإقليمية، تغير المناخ وهجرة اليد العاملة، تغير المناخ ونظام اللاجئين، تغير المناخ والنزوح الداخلي، تقاسم تكاليف النزوح الناجم عن تغير المناخ، مستقبل النزوح بسبب المناخ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/5376tzbh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
زاندر دنلاب
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جورج ج. فيث