كيف تستجيب الدول؟

التمييز العنصري والتفويض في سياسات اللجوء
00:29 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
لاجئون سوريون في تركيا
لاجئون سوريون في تركيا

عن المؤلف

الصورة
لميس علمي عبد العاطي
لميس علمي عبد العاطي
- لميس علمي عبد العاطي أستاذ مساعد في العلوم السياسية في كلية ماكسويل بجامعة سيراكيوز.
- باحثة مشاركة أولى في معهد كامبل للشؤون العامة.
- تتناول أبحاثها السياسة الدولية للاجئين، وقد ظهرت منشوراتها في مجلات عدة.
- حصلت عبد العاطي على درجة الدكتوراه في السياسة من جامعة برينستون.

يشهد العالم موجات كبيرة من الهجرات، الفردية والجماعية، لأسباب مختلفة، لكن تعاني الدول المضيفة في تطبيق سياسات اللجوء. يستكشف هذا الكتاب سبب تباين استجابات الدول تجاه اللاجئين، ويحلل كيف تؤثر السياسة الخارجية والعلاقات العرقية في قرارات استقبال اللاجئين، أو رفضهم، والعوامل التي تدفعها لتفويض أمرهم إلى الأمم المتحدة.

تتساءل لميس عبد العاطي في هذا الكتاب عن السبب الذي يجعل الدول تؤكد أحياناً سيادتها في ما يتعلق بحقوق اللاجئين، وتتنازل عنها في أحيان أخرى عن طريق تفويض الإشراف على اللاجئين إلى الأمم المتحدة. ولتفسير هذه الممارسة الانتقائية للسيادة، طورت إطاراً نظرياً من جزأين، يقوم من خلاله صناع السياسات في البلدان المستقبلة للاجئين بموازنة المخاوف، الدولية والمحلية. وقد يقرر صناع السياسات في الدولة المستقبلة توفير الحماية للاجئين من دولة منافسة من أجل تقويض استقرار الدولة المرسلة، وإثقال كاهلها بتكاليف سمعتها، بل وحتى الانخراط في هجمات عبر الحدود على غرار حرب العصابات.

1

وعلى المستوى المحلي، يأخذ صناع السياسات في الاعتبار المنافسة السياسية بين المجموعات العرقية، فالترحيب باللاجئين الذين هم أقرباء عرقيين للمواطنين يمكن أن يرضي الدوائر الانتخابية المحلية، ويوسع قاعدة الدعم للحكومة، ويشجع التعبئة على أسس عرقية. وعندما تتعارض هذه الحوافز، الدولية والمحلية، تنقل الدولة المسؤولية عن اللاجئين إلى الأمم المتحدة، ما يسمح لصناع السياسات بتحديد البلدان المرسلة للاجئين، والدوائر الانتخابية المحلية. وتحلل المؤلفة قبولات اللجوء في جميع أنحاء العالم، ثم تدرس ثلاث دراسات حالة بشكل متعمق، هي مصر وتركيا وكينيا. ما يميز هذا العمل هو توضيحه لكيفية تفوق اعتبارات السياسة الخارجية وديناميكيات الهوية العرقية على العوامل التقليدية مثل الموارد، أو العمل الإنساني، أو مهارات العمل في تشكيل سلوك الدولة تجاه اللاجئين.

دور السياسة الخارجية والعرقية

تقول الكاتبة إن التفويض والتمييز ليسا مجرد ألغاز فكرية، بل إنهما يشكلان العمل اليومي للممارسين، والمدافعين، والتجارب الحياتية للملايين من طالبي اللجوء، واللاجئين في جميع أنحاء العالم. فوّضت العديد من الدول سياسات اللجوء الخاصة بها إلى الأمم المتحدة، وفي العديد من البلدان حول العالم، تقوم وكالة الأمم المتحدة للاجئين بتسجيل طالبي اللجوء، وتمنحهم وضع اللاجئ، وتدير مخيمات اللاجئين، وتوفر الخدمات الاجتماعية للاجئين. وفي الوقت الذي تؤكد أغلب الدول سيادتها في مواجهة التدفقات السكانية، فمن المدهش أن العديد من الدول قد تحول المسؤولية إلى منظمة دولية بهذه الطرق. علاوة على ذلك، تفضل كل دولة تقريباً بعض اللاجئين على حساب آخرين. ويتم الترحيب ببعض مجموعات اللاجئين على الحدود، ويُسمح لهم بالعيش في المكان الذي يختارونه، ويتم توفير الرعاية الطبية والتعليم المجاني لهم، ويُسمح لهم بفتح أعمال تجارية، بل ويتم منحهم الجنسية، ويتم إبعاد آخرين، أو احتجازهم، ويتم وضعهم في معسكرات شديدة الحراسة، ويُحرمون من الخدمات الأساسية، ويُمنعون من كسب الدخل، ويُحكم عليهم أحياناً بالعيش في طيّ النسيان لأجيال.

1
لاجئون في كينيا

ولمقارنة سياسات اللجوء عبر البلدان ومجموعات اللاجئين، تقدم المؤلفة مجموعة من المؤشرات التي تغطي القبول على الحدود، وحرية الإقامة خارج المخيمات، والوصول إلى سوق العمل، والجوانب الأخرى لتجربة اللاجئين. ثم تقوم بتطوير الحجة النظرية القائلة بأن النهج الذي تتبعه الدول في التعامل مع اللاجئين يتشكل من خلال ديناميكية ذات مستويين، تشمل السياسة الخارجية، والسياسة العرقية. وتفصل المؤلفة المسارات السببية التي قد تؤدي من خلالها العلاقات مع البلد المرسل والمنافسة العرقية المحلية إلى شمولية، أو تقييد، أو تفويض نسبي. ويمكن لصناع السياسات استخدام اللاجئين لطمأنة الحلفاء الدوليين وممارسة الضغط على المنافسين. وفي الوقت نفسه، لديهم حوافز سياسية محلية لتفضيل مجموعات اللاجئين الذين يشاركونهم هويتهم العرقية. ولكن عندما يواجهون ضغوطاً دولية ومحلية متضاربة، فإنهم يفوّضون الأمر إلى الأمم المتحدة. كما تناقش أيضاً التفسيرات البديلة المحتملة، مثل الالتزام بالمثل الإنسانية، والرغبة في وجود اللاجئين المهرة و/أو الأثرياء، وما إلى ذلك.

تشرح المؤلفة أيضاً الأساليب والبيانات التي تستخدمها للتحقيق في هذه الحجة. ويتكون البحث من ثلاث مراحل. تسمح المرحلة الأولى، وهي التحليل الكمي لحالات قبول اللجوء في جميع أنحاء العالم، بمعاينة الاتجاهات عبر عينة كبيرة من البلدان والسنوات. وتوضح أن القبول والتفويض يرتبطان بعلاقات الدولة المرسلة والانتماء العرقي، وترى أن حجتها قد تكون قابلة للتعميم. أما المرحلة الثانية، وهي دراسات الحالة النوعية لمصر وتركيا، فتعتمد على المقابلات والأبحاث الأرشيفية للتحقيق في مجموعة واسعة من سياسات اللجوء. وتعرض دراسات الحالة هذه العمليات السببية التي تربط سياسة اللجوء من ناحية والعلاقات القطرية والانتماء العرقي من ناحية أخرى. وأخيراً، توسّع المرحلة الثالثة نطاق التحليل من خلال تحليل كمي ونوعي للإجراءات البرلمانية في كينيا.

تحديد سياسة اللجوء

ترى المؤلفة أن الخطوة الأولى الضرورية هي تعريف مصطلحَي اللاجئ وطالب اللجوء. فاللاجئ هو الشخص الذي يبحث عن ملجأ خارج بلده الأصلي، أو جنسيته، بسبب خوف مبرر من الاضطهاد على أساس العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية، أو الرأي السياسي. وبدلاً من ذلك، قد يكون اللاجئ قد فرّ من بلده بسبب التدخل الأجنبي، أو الحرب بين الدول، أو الاضطرابات الداخلية، أو غيرها من الأحداث التي تزعج النظام العام بشكل خطر. وطالب اللجوء هو فرد يؤكد أنه لاجئ، ولكن طلبه لم يتم تقييمه بشكل نهائي بعد. وبعبارة أخرى، قد يطلب الفرد اللجوء ويدّعي أنه فرّ من الاضطهاد، أو العنف. في معظم الدول، سيتم بعد ذلك معاينة طلب ذلك الفرد من خلال عملية تحديد وضع اللاجئ، والتي تدرس إذا كانت مطالبته حقيقية. وعلى الرغم من أن هذه التعريفات تتوافق مع الاتفاقيات، الدولية والإقليمية، المتعلقة باللاجئين، إلا أنها تشمل الأفراد والجماعات الفارين من الاضطهاد، والعنف، سواء تم منحهم وضع اللاجئ الرسمي أو لا. وتغطي اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967 كل ذلك إلا عقوبة الإعدام الموجهة تحديداً إلى أفراد معينين. وفي المقابل، تعمل اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969 التي تحكم الجوانب المحددة لمشاكل اللاجئين في أفريقيا على توسيع تعريف اللاجئين لاستيعاب حالات الهروب الجماعي، رداً على العنف المعمم.

وتعلق الكاتبة قائلة: «ومع ذلك، فإن هذه التعريفات تميز بين اللاجئين والنازحين داخلياً، والمهاجرين الطوعيين. يتطلب وضع اللاجئ عبور الحدود الدولية، وبالتالي استبعاد الأفراد الذين فروا من منازلهم ولكنهم يبقون داخل أراضي بلدهم. وفي حين يُنظر إلى حركة اللاجئين وطالبي اللجوء على أنها هروب من الاضطهاد، أو الصراع، فمن المفترض أن الهجرة الطوعية تنشأ عن دوافع اقتصادية. ويمكن تقديم حجة مقنعة مفادها أن الهجرة الطوعية والقسرية ليست ثنائية، بل تقع في سلسلة متصلة. ومن الناحية العملية، بطبيعة الحال، فإن معظم المهاجرين القسريين والطوعيين لديهم دوافع مختلطة لعبور الحدود. علاوة على ذلك، غالباً ما تكون عناصر الإكراه والإرادة متضمنة في كل من الهجرة القسرية والطوعية. قد يشعر اللاجئون بأنهم مجبرون على الهجرة، لكن الآخرين الذين يواجهون تهديدات مماثلة قد يقررون البقاء. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يتمكن اللاجئون من ممارسة بعض الخيارات بشأن كيف، ومتى، وأين يذهبون. وأظهرت أزمة الهجرة الأوروبية لعام 2015 أن «اللاجئين السياسيين والمهاجرين الاقتصاديين غالباً ما يستخدمون نفس السبل وطرق السفر ويواجهون تجارب مماثلة في رحلاتهم وفي وجهاتهم».

ومع ذلك، تفرق الكاتبة بين اللاجئين والمهاجرين الطوعيين. وتشير إلى أن هناك نظاماً دولياً راسخاً للاجئين، يستند إلى اتفاقية اللاجئين لعام 1951. ويحظر مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي أصبح أحد مبادئ القانون الدولي العرفي، إعادة أي فرد إلى بلد قد تكون حياته فيه معرضة للخطر. وفي المقابل، لا يوجد نظام دولي مماثل لهجرة اليد العاملة، ولا توجد حماية مماثلة للمهاجرين، الذين تتمتع البلدان بالحرية في ترحيلهم متى شاءت.

تعرّف المؤلفة سياسة اللجوء بأنها مجموعة التدابير التي تعتمدها الحكومة الوطنية لتنظيم دخول وخروج وظروف إقامة طالبي اللجوء واللاجئين الأجانب. ويشمل هذا التعريف كلا من القوانين واللوائح وكذلك تنفيذها. وتعلق على ذلك قائلة: «في الواقع، أحياناً تختلف القوانين القانونية المنصوص عليها في الكتب عن الممارسات الفعلية المطبقة على أرض الواقع. وحتى في حالة وجود تشريعات وطنية بشأن اللاجئين، فقد لا يتم تنفيذها بشكل كامل أو دقيق. علاوة على ذلك، قد تختلف القوانين على المستوى الوطني، التي تبدو عامة، في تطبيقها بمرور الوقت، وحسب مجموعة اللاجئين». إضافة إلى ذلك، وكما توضحه في الفصل الرابع من الكتاب، فإن «غياب التشريع الوطني لا يعني بالضرورة غياب سياسة الأمر الواقع».

وتضيف: «يشمل تعريفي لسياسة اللجوء أيضاً أكثر من مجرد قرار منح الدخول لطالبي اللجوء. إن قدرة الأفراد النازحين على عبور الحدود أمر بالغ الأهمية، ولكن هذه ليست القصة بأكملها. إن دراسة معاملة الأفراد، سواء تم قبول طلبات اللجوء الخاصة بهم، أو لا، أمر مهم أيضاً لعدة أسباب. أولاً، بموجب النظام الدولي لحقوق الإنسان، فضلاً عن المعاهدات المتعلقة باللاجئين على وجه التحديد، يحق للأفراد النازحين التمتع بمجموعة من الحقوق الأساسية في البلد الذي يستقبلهم. ثانياً، تحدد المعاملة من جانب البلدان المضيفة ما إذا كان اللاجئون سيبقون هناك، أم يحاولون المضي قدماً. والواقع أن الزيادة الحادة في عدد الوافدين عن طريق البحر إلى أوروبا في عام 2015 ترتبط بالظروف في البلدان المجاورة، حيث لا تتوفر المساعدات الإنسانية إلا بقدر ضئيل ولا يُسمح للاجئين بكسب لقمة العيش. ثالثاً، يمكن أن يكون لمعاملة اللاجئين عواقب طويلة المدى. على سبيل المثال، عندما تسمح البلدان المضيفة للاجئين بالحصول على الخدمات الاجتماعية وفرص العمل، قد يتمكن اللاجئون من اكتساب مهارات قابلة للنقل أو توليد تحويلات مالية يمكن أن تساهم في بناء الدولة وإعادة الإعمار بعد الصراع في بلدهم الأصلي.

تفويض سياسات اللجوء

تشير الكاتبة إلى أنه يتم تعريف التفويض رسمياً على أنه منح مشروط للسلطة من جهة فاعلة إلى أخرى، ما يمكّن هذه الأخيرة من التصرف، أو اتخاذ القرارات نيابة عن الجهة الأولى. وفي سياق شؤون اللاجئين، قامت العديد من البلدان بنقل عملية صنع القرار بشأن بعض سياسات اللجوء إلى وكالة الأمم المتحدة للاجئين. وعلى وجه الخصوص، تشارك المفوضية في تدريب الموظفين الحكوميين، وتسجيل ومعاينة طالبي اللجوء، وإدارة المخيمات ومساعدة اللاجئين في المناطق الحضرية، وإنشاء آليات الشرطة والعدالة، وتسهيل العودة الطوعية للاجئين، وإدارة الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير التدريب المهني وبرامج سبل العيش، والمساعدة في إعادة التوطين.

وتضيف: «ومن بين الأدوار الأكثر أهمية التي تضطلع بها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هو مشاركتها في تحديد وضع اللاجئين. قد يؤكد الفرد أنه لاجئ، ولكن يجب تقييم طلبه لتحديد ما إذا كان لديه خوف مبرر. إذا تم الاعتراف به كلاجئ، فله الحق في عدم إعادته إلى وطنه. بمعنى آخر، فإن تحديد وضع اللاجئ له عواقب قانونية لأنه يحدد من هو المؤهل للحصول على الحقوق والحماية المنصوص عليها في اتفاقية عام 1951. كما أن تحديد وضع اللاجئ مهم بشكل خاص في البلدان التي يُسمح فيها للاجئين الحقيقيين بالحصول على الخدمات الاجتماعية، أو إنشاء أعمال تجارية، أو طلب التجنس. وتقوم العديد من الحكومات بإشراك موظفي المفوضية في عمليات تحديد وضع اللاجئين الخاصة بها، وعادة ما يتم تدوين هذا التفويض في اتفاقية تعاون أو مذكرة تفاهم. في عام 2018، تولت المفوضية وحدها المسؤولية عن تحديد وضع اللاجئ في 47 دولة، أو إقليماً، وتقاسمت بعض المسؤولية عن تحديد وضع اللاجئ مع الحكومة الوطنية في 14 دولة، أو إقليم آخر. يمكن أن يتخذ تفويض تحديد وضع اللجوء أحد الأشكال الثلاثة. قد تشارك الوكالة في مرحلة واحد،ة أو أكثر (التسجيل، أو المقابلات، أو القرارات، أو الطعون) لإجراء تحديد وضع اللاجئ الذي تديره الحكومة. وبدلاً من ذلك، قد تجري المفوضية عملية مستقلة تعمل بالتوازي مع تحديد وضع اللاجئ الذي تديره الحكومة، كما

توضحه في الفصل الخامس، ويحدث الحد الأقصى لتفويض تحديد وضع اللاجئ عندما تكون المفوضية مسؤولة عن جميع الإجراءات على أراضي الدولة».

 ويُعد عمل لميس عبد العاطي مساهمة بالغة الأهمية في هذا المجال، لما تقدّمه من رؤى عميقة حول تسييس حماية اللاجئين، وتفويض المسؤوليات إلى الهيئات الدولية. ولا يعد هذا الكتاب مصدراً قيّماً للباحثين وصانعي السياسات فحسب، بل يعد أيضاً مصدراً لأي شخص يسعى إلى فهم تعقيدات السياسة الدولية المتعلقة باللاجئين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/ywssyywk

كتب مشابهة

1
ليف فيجين

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا
1
هاين دي هاس
1
جيريمي غارليك
1
ماكسيميليان هيس