عادي
صدر في الشارقة

«الريال النمساوي».. العملة تكتب التاريخ

00:01 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. معتز عثمان

الشارقة: عثمان حسن

«العملة التي لا تموت.. قصة الريال الفرنسي والبن اليمني» هو عنوان كتاب صدر عن معهد الشارقة للتراث، للدكتور معتز محمد عثمان، وهو عبارة عن دراسة في أهم العملات الفضية القديمة التي تم تداولها في منطقة الخليج العربي، ودار حولها الكثير من الاستفسارات، وبالأخص عملة (ريال ماريا تيريزا- الريال النمساوي)، لكن د. معتز عثمان يشير إلى مفارقة عجيبة، هي أن هذه العملة كان يطلق عليها اسم «الريال الفرنسي»، وهو الاسم الذي أصبح مجازاً اسماً رسمياً لهذا النقد، في معظم أقاليم الجزيرة العربية؛ بل وفي بعض الأقطار العربية والإفريقية.

جاء الكتاب في مقدمة وأربعة فصول رئيسية تناول فيها الكاتب: ماريا تيريزا صاحبة هذه العملة، واكتشاف نبات البن وانتشار الريال الفرنسي، وتكريم ماريا تيريزا وإحياء ذكراها، واختفاء عملة ماريا تيريزا، وظاهرة المسكوكات المزورة، كما اشتمل الكتاب على ملاحق لمنشورات ووثائق نادرة وصوراً لعملات.

في الفصل الأول، يتحدث الكتاب عن الإمبراطورة ماريا تيريزا (1717-1780) التي اشتهرت بإصلاحاتها الاقتصادية، وكان لها 16 من الأبناء والبنات، كانت إحداهن ماري أنطوانيت ملكة فرنسا، والتي سُكّ في زمنها أول دولار في هابسبورغ، في إمبراطورية شاسعة، وقد كانت موهوبة وذكية ومتعددة اللغات، وأهم إنجازاتها- التي ترافقت مع تغيرات جوهرية في النظام المالي وبالأخص الإصلاحات النقدية- كان سَكّ عملة ماريا تيريزا تالر القديمة، والتي صدرت لأول مرة في سنة 1741، وقد اعتمدت وسيلة دفع دولية، يقول المؤلف في هذا الفصل: «لقد أصبحت عملة ماريا تيريزا تالر على مدار قرنين ونصف عملة رسمية، فضلاً عن كونها جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الاجتماعي والتجاري للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكذلك الهند وباكستان وإندونيسيا».

ويدرس المؤلف مواصفات عملة ماريا تيريزا تالر وتصميمها، الذي أكسبها شهرة مضاعفة من جهة لمعانها، وتفاصيلها الدقيقة ونسبة الفضة العالية فيها، واكتسابها سمعة قوية باعتبارها واحدة من أجمل العملات المعدنية في العالم.

لقد أصبحت عملة ماريا تيريزا على مدار قرنين ونصف عملة رسمية لا يستغنى عنها، وعند وفاة ماريا تيريزا، اكتسبت هذه العملة حياة جديدة، وكأنها ترفض الاندثار، وقد جذبت هذه العملة الانتباه مرة أخرى في القرن العشرين، عندما احتلت إيطاليا إثيوبيا، وكانت هي العملة القانونية في عام 1935، حيث ضمنت إيطاليا لنفسها الحق في ضرب العملة من أجل تزويد قواتها الموجودة في إثيوبيا بالمال، ومن هنا كانت بداية تداول هذه العملة في الكثير من الدول، التي اتفقت في ما بينها على إنهاء احتكار النمسا لتك العملة المعدنية.

ارتباط

يربط المؤلف في الفصل الثاني بين اكتشاف نبات البن وانتشار الريال الفرنسي- عملة ماريا تيريزا، خاصة من ميناء المخاء اليمني، الذي انطلقت منه أولى عمليات تصدير البن من اليمن إلى بقية دول العالم، وذلك في منتصف القرن ال 15، تحديداً في عام 1450، ومع زيادة نشاط بيع البن في هذا الميناء الذي ترافق مع حركة تجارية متصاعدة، ظهرت أهمية مضاعفة لتداول تلك العملة، ويشير المؤلف إلى هذا الارتباط تحت عنوان بارز في كتابه هو: «اعتماد اليمنيين في تجارة البن على عملة ماريا تيريزا»، حيث يشير أحد التقارير إلى أن القهوة ظلت واحدة من أغلى سلع التصدير في عدن، وظل التجار البريطانيون المصدرون للبن منها يدفعون ثمن البن اليمني بالريال النمساوي (عملة ماريا تيريزا) حتى حلول عام 1955.

ويورد المؤلف قصة أسطورية طريفة، أدت إلى انتشار البن، لرَاعٍ من أسلاف شعب (الأورومو) كان يقطن المنحدرات والهضاب الجنوبية الغربية للوادي المتصدع في إثيوبيا، ولاحظ أن أغنامه أصبحت نشِطة، بعد أن أكلت نبتة البن، فتذوق ثمارها، وأدرك خواصها، ومن وقتها تناولها الأحباش مضغاً، وبعد زمن طويل تحولت إلى شراب منقوع، وسرعان ما انتشرت في كل مكان، بعدما انتقلت أشجار البن من إثيوبيا إلى اليمن بواسطة بعض التجار، ومنها إلى مكة، لتدخل إلى التجارة العالمية في عام 1454.

يعود المؤلف إلى وثائق تاريخية نادرة تدعم حقيقة تداول الريال الفرنسي بالمنطقة بعد توطيد العلاقات بين الدولة العثمانية وفرنسا، ويقدم قرائن وأدلة على وصول العملة الفرنسية إلى منطقة الخليج من بينها وثيقة توضح بيع إحدى المحال لبيت في الشارقة بمبلغ قدره 580 ريال فرنسي عام 1902.

تحول

بعد استقرار الدول الحديثة، بدأت تنشط في كثير من دول المنطقة مطالبات لاستخدام العملة المحلية لتأخذ مكانها في أسواق التداول، والاستغناء عن العملات الأجنبية مع التقلبات الحادة في أسواق التداول وأسعار الفضة في النصف الثاني من القرن ال 19، بعد اكتشاف تلال من الفضة في أمريكا الجنوبية، كما شهدت هذه الفترة تعزيز القوى الاستعمارية لمصالحها في المنطقة، لضمان تداول عملاتها المحلية، وبناء عليه فقد قضي على عملة الريال الفرنسية- عملة ماريا تيريزا، وأكبر مثال على ذلك هو الهيمنة البريطانية، ووضع الروبية الهندية ضد الريال الفرنسي، ثم استقلال الهند في عام 1947 الذي أدى إلى التحول إلى الشلن البريطاني.

ويتناول معتز عثمان من خلال عدة محاور صوراً من سطوع عملة ماريا تيريزا، هذه العملة التي تم تكريمها في فعاليات مصاحبة لذكرى الاحتفال بميلادها، ومن ذلك صورة لتمثال عملة ماريا تيريزا في مدينة ترييستي الإيطالية، وظهور هذه العملة في أشكال فنية ونحتية، كفكرة تحويل صورة الإمبراطورة تيريزا إلى جمجمة، ما يؤكد مكانة هذه العملة الشهيرة التي بدأت تُسَكّ في إصدارات خاصة حديثة، وظهور العملة في طوابع وبطاقات بريدية كثيرة، ومنها ظرف بريدي لإحياء ذكرى ماريا تيريزا عليه طابع يضم الملكة مع وريث العرش جوزيف الثاني.

تزوير

في الفصل الرابع يقف د. معتز عثمان عند ظاهرة تزييف بعض العملات من بعض التجار، فيقول: «لقد أصبح من السهل تزوير المسكوكات القديمة والنادرة، وذلك بفعل التطورات الأخيرة لتكنولوجيا معدات الحفر والنقش والتصوير الفوتوغرافي والحواسيب والطباعة، فضلاً عن توفر معدات منخفضة الكلفة، وذلك مقارنة مع أسلوب التزوير قديماً»، ويشير إلى أن التزوير موضوع قديم عرفته جميع الأمم من ساسانية وبيزنطية ورومانية وكلدانية وآشورية، مروراً بالعصر الأموي والعباسي والدولة الفاطمية، وغيرها من الحضارات، ويدعو المؤلف إلى اتباع إجراءات قانونية وتشريعية تحد من هذه الظاهرة الخطِرة، ويشير إلى عام 2003 الذي شهد طرح مسكوكات مزورة في مواقع البيع على شبكات الإنترنت العالمية، من قبل فئات كثيرة، كما يؤكد ضرورة توعية المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة التي يصفها بالسلوك الإجرامي دافعه الرغبة في الثراء بدون وجه حق.

اقتباسات

  • تعد عملة الملك جورج الخامس (1910 – 1936)، (جنيه الذهب الإنجليزي) من أغلى العملات في شبه الجزيرة العربية.
  • كان أول تداول لعملة ماريا تيريزا في إثيوبيا إبان حكم الإمبراطور (إياسو الثاني) بين 1730 و 1755.
  • يعود أول ذكر لمحصول القهوة باسم «البن اليمني» إلى الطبيب العربي ابن الرازي في عام 900م.
  • كانت فرنسا نقطة الانطلاق للعديد من الرحلات التي أطلقت تجارة البن وساعدت في تطوير زراعته حول العالم.
  • اعتمد اليمنيون في تجارة البن على عملة ماريا تيريزا، ووصلت هذه التجارة إلى مصر قادمة من اليمن.
  • أول تصدير لعملة ماريا تيريزا إلى الخارج كان في عام 1751، من ميناء مارسيليا الفرنسي ما يشكل نتيجة منطقية لإطلاق هذا المسمى على عملة (الريال الفرنسي).
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2srfb8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"