عادي
جماليات إماراتية

خالد الجلاف: الخط ذائقة ومعنى ومتعة بصرية

22:47 مساء
قراءة 5 دقائق
خالد الجلاف
من أعمال الجلاف
من أعمال الجلاف

الشارقة: علاء الدين محمود
«الخط يحمل المعنى ويحتفي بالجمال»، هكذا تحدث الخطاط والفنان الإماراتي خالد الجلاف، رئيس جمعية «الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة»، في سياق تناوله لهذا الإبداع الخالد والباقي ما بقي الزمان؛ أي الخط العربي، حيث يعد الجلاف صاحب إسهامات خطية كبيرة وتجربة رائدة، الأمر الذي جعله من كبار الفنانين ليس على مستوى الإمارات أو الساحة العربية فقط، بل وعالميا كذلك، لكونه من المبدعين الذين حملوا هم الفن وعملوا على إيصال رسائله ومعانيه التي تحتضنها اللوحة بجماليات وألق روحي.

منذ وقت باكر بدأت رحلة الجلاف مع الخط والإبداع، عبر مسيرة شهدت العديد من المحطات وبذل فيها الكثير من الممارسات الفنية والرؤى الجمالية، تلك التي أعلنت عن انطلاقتها إبان مرحلة الطفولة والدراسة الإعدادية، حيث تشكلت موهبته في تلك الفترة، وكان يتميز بخط جميل، الأمر الذي سبب له شهرة كبيرة في الحي إلى درجة أن الشباب الذين كانوا يلعبون كرة القدم، كانوا يطلبون منه كتابة اسم الفريق وأسماء اللاعبين على «الفانيلات»، قاده ذلك الأمر إلى عالم الرسم الجميل الساحر، فقام برسم العديد من اللوحات ويقول: «كانت للوحاتي ورسوماتي الأولى أهميتها من حيث إنها كانت فاتحة لانطلاقتي في مجال الخط، غير أنها كانت محاولات خجولة بعض الشيء من حيث اختيار الألوان وقوة الخط والفكرة، مقارنة مع تطور أدواته لاحقاً، لكني أكنّ لها محبة خاصة لكونها أول العتبات في طريقي الفني»، ويشير الجلاف إلى تطور فهمه بعد تلك المرحلة، فصار لا يقبل على تصميم أو تنفيذ عمل فني إلا بعد دراسة كاملة، حتى يكون للوحة دلالاتها ومعانيها.

وتجلت موهبة الجلاف واتضحت بصورة كبيرة في فترة الدراسة الجامعية بجامعة «الإمارات» في العين، فتفجرت إمكانياته، ذلك لأن مجتمع الجامعة يضم الكثير من الأساتذة المهتمين بالفن، فقد انضم وقتها إلى مرسم الجامعة، وكان للمشرف في ذلك الوقت، دور كبير في قيادة الجلاف نحو عالم الألوان وخلطها ومزجها، وهي العملية التي أحبها الجلاف كثيراً وفتحت شهيته لمزيد من الإبداع، ولاحت الفرصة لتقديم عطاء مميز من خلال معرض أقيم في الجامعة، فبدأ الجلاف بالتحضير للمشاركة فيه، وبالفعل قدم لوحات قوبلت باستحسان كبير من قبل أساتذة الجامعة والطلاب، ليشارك مرة أخرى في معرض خارجي في تلك الفترة في الكويت، وقدم 5 لوحات فنية ناجحة.

أسلوب

يتمتع الجلاف بأسلوب مختلف في مجال الخط العربي، وقد تجلى ذلك الاختلاف في تقديمه للكثير من الأعمال التي تحتفي بالجمال وتركز على ضرورة الفكرة والمعنى، فهو يرى أن اللوحة يجب أن تحمل دلالة ومضموناً، وهذا لا يعني إغلاق المجال أمام ممارسة «الخط من أجل الخط»، حيث إن هذه العملية تنطوي على متعة للبصر وتجويد للكتابة ورفع للذائقة الفنية، لكن مع ذلك لابد من الاهتمام بالدلالات والمعاني في اللوحة الخطية، ويقول: «كلما اقترنت الكتابة بالمعنى، كان ذلك أجود وأفضل، فاللغة ترتبط بالمعنى، والخط فن رزين وليس عبثياً»، ويشدد الجلاف على أن اللوحات التي بقيت في ذاكرة الناس، هي تلك التي حملت معاني القرآن والأحاديث الشريفة، وكذلك الشعر العربي.توسعت تجربة الجلاف وتشكلت من خلال التعرف على إبداعات فنانين وخطاطين آخرين أثروا في مسيرته وفنه، ويلفت إلى عدد منهم على رأسهم الفنان التشكيلي عبد القادر الريس، الذي كان له حضوره الخاص في تجربة الجلاف على الرغم من كونه ليس خطاطاً، إلا أنه يتميز بكونه صاحب رؤية وأسلوب فني متميز، خاصة على مستوى توظيف الألوان، ويلفت الجلاف إلى حقبة ثمانينات القرن الماضي التي شهدت حضور مجموعة من الفنانين العراقيين إلى الإمارات، وكانوا تلامذة للمبدع العراقي الكبير هاشم البغدادي، وكان لهم أثر كبير وواضح في تجربته الإبداعية، فتعلم منهم الأصول الصحيحة لمسك القلم وكيفية خلط الحبر، ومن أبرزهم: نزار الدوري، الذي كان بمثابة معلمه الأول، ويستعيد الجلاف ذاكرة تلك الأيام موضحاً أن المدارس الفنية والأدوات والمرجعيات في ذلك الوقت كانت شحيحة، ولم تكن المجلات الفنية والتكنولوجيا متوفرة، ومع ذلك فقد اندفعوا كخطاطين وفنانين نحو الأمام وبنوا أنفسهم بأنفسهم، واستطاعوا أن يمارسوا فعل التحدي حتى أجادوا وامتلكوا التقنيات والمعارف اللازمة لممارسة إبداعهم الخطي والفني.

قراءة

يذكر الجلاف أن القراءة والاطلاع لعبا دوراً كبيراً في تأسيس تجربته الفنية، وتشكيل وجدانه الإبداعي، فقد اطّلع في مرحلة باكرة على الكثير من الكتب والمراجع المهمة في مجال الخط العربي مثل: «مصور الخط العربي»، و«كراسة هاشم البغدادي لتعليم الخط العربي، ويقول:«لم تكن هنالك تيارات في فن الخط، بل مدارس للخطوط المختلفة، فهنالك الخطوط الأصيلة مثل: الثلث والنسخ والريحاني والإجازة، وغيرها مما تعرف بالخطوط الستة، وهنالك الديواني والرقعة، ومدرسة الخط الكوفي، فكل مبدع يختار النوع الذي يميل إليه، وكان نصيبي أن تبنيت مدرسة الخط الكوفي بسبب ميولي نحو الهندسة المعمارية، وصارت لي فيما بعد طريقتي وأسلوبي الخاص»، ولفت الجلاف إلى أن القراءة تأخذ حيزاً كبيراً من وقته، فهو يحب الاطّلاع على جميع الكتب التي تتحدث عن فنون الرسم الحديث، ويعمل على توظيفها في اللوحات الخطية، مشيراً إلى أنه ظل يعمل على ذلك مستفيداً من كثرة اطّلاعه على الفنون الأخرى، ويلفت إلى حبه الشديد للألوان ومزجها من أجل توظيفها في الخط، وذلك بسبب إعجابه بالفن التشكيلي.

محطات

هناك الكثير من المحطات المهمة في مسيرة الجلاف في مجال الخط، أهمها تأسيس جمعية«الإمارات لفن الخط العربي»، ما أتاح فرصة كبيرة لتطوير فن الخط العربي في الدولة، ورعاية المواهب من الخطاطين، وكذلك عمله في مجلة«حروف عربية»، كنائب لرئيس التحرير، وقدم من خلالها العديد من المقالات والحوارات بغرض زيادة وعي الخطاطين، ولكي يتسلحوا بالثقافة اللازمة، وكان لذلك فوائد عدة على رأسها تبيان الفروقات التي جعلت الخط العربي فناً عالمياً، يرتقي عن بقية الفنون؛ نسبة لجذوره العربية والإسلامية والدور الذي لعبته العقيدة في ذلك الفن.

اهتمام

تبرز المعارض التي أسهم الجلاف في تنظيمها كمحطات شديدة الأهمية في مسيرته الفنية، كما أسهم في تأسيس الجمعيات والروابط والنقابات الخطية على مستوى العالم العربي خاصة في مصر، واستطاع من خلال حضوره القوي في مشهد الخط محلياً وعربياً وعالمياً أن يحصد العديد من الجوائز، وهو يوضح أن مشهد الخط في الإمارات تطور كثيراً بفضل الدعم اللا محدود من قبل قيادات الدولة وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/dbwee83u

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"